ساطع راجي
الانتهاكات العسكرية والأمنية التي يتعرض لها العراق بشكل متواترٍ من عدة جهات خارجية تؤكد أن تعاونه العسكري مع أكثر من دولة جارة وصديقة، لم يمكنه من تحصين أراضيه وأجوائه، لا من ناحية التمكن التسليحي لحماية الأرض أو الأجواء ولا من ناحية متانة العلاقة السياسية، التي تدفع الجار والصديق إلى عدم استخدامه للسلاح في الداخل العراقي.
العمليات العسكرية الأمريكية والإيرانية والتركية داخل الأراضي العراقية تحدث منذ سنوات بالتوازي مع علاقات صداقة وتبادل اقتصادي وتعاون أمني قوية بالعراق، ومع حديث وعمل متواصلين لتعزيز قدرات القوات العراقية، لكن الوقائع تقول شيئا مخالفا تماما، يدعو إلى مراجعة السياق المعتمد في التعامل مع هذه الدول وهذه ليست بالتأكيد دعوة
للمواجهة.
إن الأسئلة الأساسية في ما يخص العلاقات بالدول الثلاث وكذلك بالقدرات العراقية العسكرية يجب أن تطرح داخل العراق وبين العراقيين، مؤسسات رسمية وقوى سياسية، فمن الواضح إن المسار الذي تمسك به العراق منذ عشرين عاما لم يحقق الأهداف المرجوة، فالعراق ليس متمكنا من السيطرة على أجوائه وحدوده، وهو ما يعني ان الحكومات السابقة أهدرت الكثير من الوقت والمال دون الوصول إلى القدرات السياسية والعسكرية اللازمة لمنع الدول الأخرى من انتهاك السيادة العراقية وتعريض الاستقرار
للتهديد. ليس التسليح العالي والمتطور هو الطريق الوحيد لحفظ سيادة وأمن أي دولة، بل إن العراق شهد خلال عقود طويلة الجوانب السلبية لسياسة التسلح، ثم إنجرت معظم دول المنطقة إلى هذا الطريق المسدود، فتحول السلاح إلى عبء يدعو إلى ارتكاب المغامرات وأحيانا الحماقات والجرائم، بل يمكن لعلاقات خارجية متوازنة وتماسك داخلي أن يحفظا سيادة البلاد وأمنها بكفاءة أكبر مما تفعل الأسلحة.
مشكلة العراق الأساسية هي الانقسام الداخلي الذي يدفع القوى السياسية للتشويش على خطاب الدولة الموحد، وبالتالي يهدر مسؤولية المؤسسات والقيادات عن مواقف الدولة لتكون الخطابات الانفعالية العابرة مع كل خرق هي المتسيدة ولندخل بجدل محرم في جميع بلدان العالم ذات السيادة والملتزمة بالقانون يدافع فيه بعض الساسة والإعلاميين والمحللين عن انتهاكات المعتدين على البلاد أيا كانت أسماءهم، ومنحهم الحق في ارتكاب الانتهاكات وهو ما يؤكد أن سماوات العراق ليست فقط هي المفتوحة.
إذا ذهبنا إلى أسوأ الاحتمالات والى حد الاعتراف بأن العراق ليس قادرا على منع المخاطر، التي تتعرض لها الدول الثلاث انطلاقا من أراضيه، فإن هذا لا يمنح الحق للدول بتوجيهات ضربات عسكرية، وتنفيذ اجتياحات للأراضي العراقية، كما إن هذه الدول شريكة في خلق الاضطرابات بالمنطقة ومسؤولة عن عدم اكتمال قدرات العراق التسليحية والاستطلاعية، وعدم استقراره وتماسك دولته بالدرجة التي تسمح لها بالقيام بمهامها السيادية، ولذلك فإن إيقاف إنطلاق التهديدات من الأراضي العراقية، لن يحدث بالتجاوز على العراق، قصفا واجتياحا، وهو ما تؤكده الوقائع على أكثر من جبهة منذ سنوات طويلة، بل ستحصل كل الدول المنطقة على جار آمن ومتعاون، وتحصل دول العالم على صديق حقيقي في العراق، فيما لو التزمت بدعم الدولة العراقية وعدم التدخل في شؤونها الخاصة.