د. حميد طارش
قدمت دولة جنوب افريقيا الشكوى إلى محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل، لارتكابها جريمة الإبادة الجماعية بحق أهل غزة، وفقاً لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لسنة 1948 وتعد تلك الشكوى خطوة مهمة وكبيرة في تمكين القضاء الدولي في حل المشكلات الدولية، التي عجزت السياسة عن حلها، وقد صدر قرار المحكمة يوم الجمعة (26/ 1/ 2024)، لكنه ليس نهائياً وفاصلاً في الدعوى، فضلاً عن كونه دون مستوى الطموح بوقف حرب الإبادة التي تشهدها غزة، إلّا أنه تضمّن عدة مؤشرات إيجابية، أهمها، إنها قبلت الدعوى واعتبرتها من ضمن نطاق ولايتها القضائية، وذلك بخلاف ما ادعاه الكيان الإسرائيلي بأنها ليست من اختصاص المحكمة، وجاء في قرار المحكمة صلاحيتها باتخاذ أية تدابير عاجلة لتعرض حقوق الفلسطينيين للخطر بما في ذلك حمايتهم من الإبادة الجماعية، وأكد حق دولة جنوب افريقيا بالشكوى ومساءلة إسرائيل، مما يرسخ الأمل بتضامن الدول في الدفاع عن بعضها في قضاياها الإنسانية.
وقررت المحكمة قوة تصريحات وبيانات المنظمات الدولية، عندما اعتبرتها أدلة على وقوع عمليات القتل والتدمير وخرق القانون الدولي الإنساني في غزة، وألزمت المحكمة إسرائيل بمعاقبة مسؤوليها الذين صرّحوا بعبارات تجرد أهل غزة من إنسانيتهم وتحرض على إبادتهم، وقررت إلزام الكيان الإسرائيلي بسرعة إدخال المساعدات الإنسانية والطبية العاجلة والكافية لأهل غزة، ولم تترك الأمر وفقاً لمزاجها، وإنما طالبتها بتقديم تقرير خلال شهر لبيان تدابيرها بشأن ذلك، وهذا ما سيكون ضاغطاً، الى حد ما، لتجنب القرار النهائي بالإدانة والمساءلة، أي بمعنى آخر، عدم المصداقية والدقة والوضوح في التقرير، فضلاً عن عدم مطابقته لواقع اتخاذ تدابير سهلت وأمنت وأوصلت المساعدات الإنسانية لأهل غزة، سيكون دليلاً في تبني قرار نهائي يؤكد وقوع جريمة الإبادة الجماعية بحق أهل غزة والإلزام بوقفها والمعاقبة عليها. كما تضمن قرار المحكمة احترام جميع الأطراف في غزة للقانون الدولي وان تمتنع إسرائيل عن اية أعمال تدخل في نطاق جريمة الإبادة الجماعية، ويعد ذلك تأسيس جدي لدور القضاء الدولي في إلزام المجتمع الدولي بالقانون الدولي وتجنب مساءلة انتهاكه.