باِنتظار لحظة {موطني}

الصفحة الاخيرة 2024/01/29
...

عبد الهادي مهودر



النشيد الوطني الوحيد الذي تصدحُ به أصوات الجماهير العراقيَّة والعربيَّة هو النشيد الوطني العراقي (موطني) من دون بقية أناشيد الدول العربية، وفي بطولة كأس آسيا بكرة القدم المقامة في دولة قطر حاليَّاً سرقت الكاميرات لقطات لمشجعي المنتخب الياباني وهم في حالة دهشة لحظة عزف وقراءة النشيد الوطني العراقي بصوتٍ هزّ أركان الملعب، قبل صدمة الخسارة التاريخيَّة أمام أسود الرافدين بهدفين لأيمن حسين.

ولنشيد (موطني) قصّة مختلفة فقد اعتمده الفلسطينيون كنشيد شبه رسمي قبل أن يستبدلوه بنشيد (فدائي فدائي) لكن الحناجر العربيّة بقيت تتغنى به، من الشام لبغدانِ ومن نجدٍ الى يمنٍ الى مصر فتطوانِ، وظلّ نشيد موطني يدور في بلاد العرب باحثاً عن وطن، حتى استقرَّ بشكلٍ مؤقت في العراق منذ عقدين، وسيبقى كذلك الى حين تنفيذ الفقرة أولاً المادة 12 من الدستور العراقي التي تنص على (ينظم بقانون علم العراق وشعاره ونشيده الوطني بما يرمز إلى مكونات الشعب العراقي)، مع أنه لا يعبّر عن أي رمز عراقي، فالقصيدة لشاعر فلسطيني واللحن لموسيقار لبناني والحناجر للعراقيين، ولكن قصيدة (ابراهيم طوقان) حطّت رحالها في العراق بعد عام 2003، وحتى يأتي اليوم الذي تنتهي خدماتها الجليلة للمرة الثانية 

عربيَّاً.

وليس جديداً على الأجيال العربيَّة حفظ الأناشيد ثمَّ محوها من الذاكرة الشعبيَّة ومنعها من البث في الاذاعة والتلفزيون بقرار جمهوري، وذاكرة المواطن العربي ممتلئة بالأناشيد التي تمجد معارك العرب من أجل تحرير فلسطين التي تمَّ حجبها "بعد تحرّر العرب من فلسطين" والحمد لله، وبعد انكفاء الجيوش العربية نحو الداخل وحملها الهراوات بدل البنادق وتحوير أنشودة العندليب (خلي السلاح صاحي) الى (خلي السلاح نايم).

وكل المؤشرات تؤكد أن إقامة نشيد (موطني) ستطول في العراق، فالقضية ليست مجرد كلمات شاعر ولحن فنان وقطعة قماش ملونة، إذ لا يمكن ولادة النشيد والعلم قبل اتّضاح هوية الدولة وفلسفتها وأهدافها المشتركة وشكل النظام فيها، ولذلك أخفقت كل محاولات الاتفاق على النشيد والعلم وعجزَت الكلمات والألوان عن تلبية مزاجنا الرمادي وتعطّلت محاولات اختيار قصائد الشعراء العراقيين لتكون نشيداً وطنيّاً دائماً لبلاد الرافدين التي اشتهرت بتبديل الأناشيد والأعلام والرجال والأرصفة وأنظمة الحكم.

وبعد صعود ثمانية منتخبات عربيّة للمرة الأولى الى الدور الثاني ستمنع المنافسة بقية الجمهور العربي من قراءة نشيد موطني مع العراقيين، وبالأخص هذا اليوم عند اللقاء الحاسم مع المنتخب الاردني، الذي تتجه إليه كل الأنظار وإلى لحظة عزف وقراءة نشيد (موطني) بصوت المشجّعين العراقيين الذين حوّلوا ليل الدوحة وسوگ واگف الى نهار بالهتافات والهوسات حتى مطلع

الفجر.