بغداد: الصباح
تداعت الصحراء، برملها السافي وليلها البهيم.. المأسور بضوارٍ من كلّ نوع.. ذئاب وأسود و... حتى الزواحف تتحول وحوشاً عندما تنطبق السماء على الأفق.. بينهما شلال من صهد الشمس نهاراً وجبل من ثلجٍ ليلاً.. وعلى الفنان الأردني محمد العبادي، أن يسترخي وسط قسوة البيداء، ويتقمّص الشخصية المطلوب منه أداؤها، بتأمل وهدوء.
تلك أيّام خلت إبّان عقود السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، حينها انتشرت المسلسلات البدويَّة، بين التلفزيونات العربيَّة؛ نتيجة إقبال المشاهدين عليها؛ الامر الذي جعل شركات الإنتاج تضخ عشرات القصص البدويَّة تلبية لذوق المشاهدين.. وقال العبادي لـ "الصباح": العمل
في الصحراء جميل.. يطلق مخيلة الإنسان ويرهف رؤية الفنان، بما يمد أمام بصره وبصيرته من مساحات مفتوحة على منظور الأفق، وكأنَّ المدى لوحة تشكيليَّة والطبيعة متحف، مؤكداً: الحياة المؤقتة.. على قدر أيام التصوير معقدة وصعبة بعض الشيء، بينما المقيمون الدائميون.. تلك هي حياتهم التي يتعوّدون عُقَد صعوباتها، لكن نحن عشنا وضعاً لا يوصف، ومع ذلك استجملته متخطياً العوائق التي تواجهنا بإستمرار مثل الأفاعي والعقارب وغيرها من الزواحف التي تعرقل العمل، فحتى العضايا تتحول إلى وحوش، عندما تشعر بوجودنا يداهمها، لكننا نواجهها بسعادة، مؤكداً التسلسل التاريخي لعمله في المسلسلات البدويَّة: أول مسلسل صورناه العام 1974 بعنوان (وضحه وإبن عجلان) مع الفنانة سلوى، التي أدت دور (جواهر) وقفنا خلاله أمام النجم المصري الراحل يوسف شعبان.
• وادي القمر
وواصل العبادي: تضطرنا الزواحف إلى بدء العمل في تشرين الاول؛ لأنها تختبئ.. سباتاً.. في الجحور.. بفطرتها تتقي البرد، متابعاً: صورنا مسلسلات في وادي القمر؛ لأنّه على شكل القمر يقع جنوبي الاردن.. قريب من العقبة.. منطقة جميلة فيها سياح، محاطة بجبال وتنحدر إلى سهول خضر وألوان موردة وأزهار تعبق بما يسر الرؤية ويمتع الإحساس.
وأضاف: نصوّر في أهوار البحر الميت والعقبة التي تشبه أجواء الخليج العربي، وبين آثار البتراء، موضحاً: وتلك أجواء ممتلئة برقرقة المياه ورفعة القمم الشاهقة من بعيد، فيما للآثار هيبتها ذات السطوة المهيمنة، التي ترتقي بمن يراها؛ ما يجعل الفنان يتماهى مع الدور الذي يؤديه ويتقمّص الشخصية التي يمثلها.
• ظهور أصيل
وبيَّنَ العبادي: الخيول التي تظهر في المسلسل ليست أصيلة، برغم جمالها الأخّاذ الذي يخضع لمكملات فنيّة كي تشد المشاهد إلى منظر الحصان، تكاملاً في العمل لكنها خيل تحتاج ترويضاً وتدريباً مكثفاً يجعلها كما لو أنها فرس أصيلة، متابعاً: بعض الخيل شرسة؛ لذا نأخذ خيولاً مهجنة.. مدرّبة نستطيع التعامل معها.. تفهم وتستجيب، لافتاً: أتذكّر عندما صورنا في صحراء الأزرق مسلسل (ابن العبد) ارتبطت بحصان أربعين يوماً، أطعمه قبل التصوير، وعند البدء يأتي قبل أن أذهب إليه ويصطف قربي، مستجيباً لإيعازات المخرج.. عند الـ (كيو) يمشي، وعند الـ (ستوب) يقف.
وأفاد: من الطرائف، أنَّ الصحراء تشهد فصولاً أربعة في يوم واحد، ومرة هبت عاصفة، اقتلعت الخيام وأرعبت الخيل.. فارة.. ونحن نطارها بسيارات الجيب إلى حدود السعوديّة، موضحاً: نشرب حليب الناقة، ونأكل تمراً وأعشاباً لذيذة الطعم تشبه الخضرة.... اكتشفنا حياةً غائبة عنا، الفن قربنا منها.