ضرر القروض الخارجيَّة

آراء 2024/02/01
...

بشير خزعل

استمرار آلية الاقتراض الخارجي من البنوك والوكالات الدولية لأغراض التنمية، قد يبدو في إطاره العام كاقتراض طبيعي، وخصوصا تلك التي يتم الاتفاق فيها على نسبة فوائد ميسرة ومخفضة جدا، لكن ما يجب أن تلتفت إليه الحكومة هو الحذر من اتفاقات بشروط مفروضة من الجهات المانحة أو المقرضة، لأنها قد تتسبب في رسم السياسة الاقتصادية للبلاد بشكل ممنهج على المدى البعيد، وتقيّد الاقتصاد بما لا يتناسب والحفاظ على الاستقلالية في قرارات المشاريع الستراتيجة الكبرى، او احتكارها لجهة دون اخرى، الحكومة في العادة تقترض قروضاً تنموية من وكالات دولية، بعضها قديمة مثل وكالة مدريد للإعمار والوكالة اليابانية والوكالة البريطانية والوكالة الأميركية للتنمية، والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وجميعها اقتراضات طبيعية، تلجأ إليها دول كثيرة من أجل تنفيذ مشاريع غير قابلة للتأجيل، وكفوائد وأقساط يدفع العراق ما يقارب من عشرة تريلونات دينار عراقي، أي ما يعادل 7 مليارات دولار وهي نسبة تشكل 12.5 % من الناتج المحلي الاجمالي، وقد يبدو في نظر المختصين أن هذه النسبة تشكل حجم مخفض من الديون، ويدلل على تعافي الاقتصاد العراقي، لكن الخطورة تكمن في استمرار هذه القروض وارتفاع نسبة الفائدة مع تغير الاوضاع الأمنية في المنطقة، المادة 25 من الدستور نصّت على أن (تكفل الدولة إصلاح الاقتصاد العراقي وفق أسس اقتصادية حديثة)، ويفترض بالحكومة تطبيق هذا النص بالاعتماد على موارد الدولة الداخلية، فأي قرض خارجي تترتب عليه فوائد بتقادم الزمن، وقد تكون أحياناً بشروط تضر بسيادة البلد، وهناك مخاطر اقتصادية وسيادية على العراق نتيجة استخدام سياسة الاقتراض الخارجي في ظل ميزانية ضخمة تقدّر بـ198 تريليون دينار عراقي، فضلاً عن وجود مواد بموازنة 2023 تضمنت فقرات تعتمد على الاقتراض الخارجي ومن عدة دول لتغطية مشاريع يتم وصفها بالاستراتيجية، حجم خطورة هذه القروض على المدى البعيد ليس بالقليل، وربما يكبل الاقتصاد العراقي بالتدريج بارتباطات لا مفر منها لسنوات طويلة، ولنا في تجارب دول عانت من إجراءات الاقتراض من الخارج كاليونان التي ارتفعت فيها نسبة الدين، قياسا للناتج المحلي مما سببت أزمة مالية كبرى وبعد فترة تم إقراض اليونان مرة أخرى بشروط تقشفية شديدة، حتى ازدادت أزمة الدين العام بنسبة 175% في العام 2015 وبقية قصة أزمة اليونان معروفة للجميع، وكذلك البرازيل التي اقترضت من صندوق النقد الدولي، وأصبحت عاجزة عن سداد الدين، وأصبحت الفوائد التراكمية تستنفد ثرواتها وخيراتها لتسديد فؤاد القروض، ما يوجد من فرص استثمار وموارد طبيعية وثروات هائلة لدى العراق تغنيه عن أي قروض من الخارج نحن في غنى عنها، وليست بالضرورة الملحة التي تستدعي أن نكبل الاقتصاد العراقي بقروض مالية لا ضرورة لها.