شهاداتٌ غير معتمدة.. إجازات عمل مؤجلة

آراء 2024/02/12
...

 د.جواد الزيدي


 تعد الشهادة الجامعية في أبسط تعريف لها بأنها إجازة عمل في تخصص معين، واعتراف يمكن لحاملها أن يتقدم للعمل بهذا التخصص في المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، من أجل خدمة المجتمع، وعندما تكون غير معترف بها فإن وجودها من عدمه سواء. وقد اتخذت الشهادات غير الرسمية أشكالاً عدة تم تجلي بعض ظواهرها بفعل ظروف عدة، منها الرغبة في اكمال البعض لدراسته الأولية من دون المرور بالمراحل التقليدية للحصول عليها، فيتم تزوير شهادة الاعدادية (البكالوريا)، التي تؤهله الدخول للدراسة الجامعية الأولية، وتم كشف العديد من هذه الحالات في الجامعات العراقية وخصوصاً وثائق شهادات الاعدادية، كما برزت ظاهرة تزوير الشهادات الجامعية في ثمانينيات وتسعينيات القرن القرن العشرين، للذين تخرجوا فعلاً، ولم تمنحهم الدولة شهاداتهم لمنعهم من السفر خارج الوطن، فتم الاعتماد على مكاتب خارجية لاصدار شهادات ووثائق غير رسمية من أجل الحصول على فرصة عمل. 

 لكن الظاهرة الأهم والأكثر تأثيراً هو ما حدث بعد 2003 في الجامعات العراقية، إذ تم التضييق على الشهادات المزيفة من خلال طرق تكنولوجية، والتحقق من صحة صدور هذه الوثائق من مصادرها الحقيقية، بيد أن مساحات أُخرى حلت بديلاً عن ذلك وهو افتتاح جامعات وكليات أهلية بعضها معترف به من الجهة الحكومية المختصة (وزارة التعليم العالي) والبعض الآخر لم يتم الاعتراف به، ولكن الطلبة اتجهوا إلى الدراسة في هذه الكليات من أجل الحصول على الشهادة في زمن الوفرة المالية لبعض الموظفين، ودفعهم أقساط الدراسة المطلوبة، لاستحالة الحصول عليها في الجامعات الحكومية خصوصاً بعض التخصصات التي تتطلب معدلاً عالياً، بينما يتم القبول في هذه الكليات الأهلية الموسومة بضعف الاعتمادية على المستويات الدنيا للمعدلات.

 ووسط هذه الفوضى تنشأ رغبة المتخرج لأكمال دراسته العليا، ولأن قانون التعليم الحكومي، لا يسمح لخريجي الكليات الأهلية لإكمال دراساتهم العليا وعدم توافرها في التعليم الأهلي الذي لم يسمح الانتظام في الدراسات والاكتفاء بمرحلة البكالويوس، فقد أوجدت أوساط داخلية وخارجية بدائل لعلاج هذه المشكلة، لكي تجعل ذلك سبباً في الاقتراب من الجماهير، وتمنح بعض المسؤولين هذه الشهادات العليا، تمهيداً لاستلام مناصب عليا في الحكومة العراقية أو تطوير درجتهم الوظيفية وزيادة اسنحقاقاتهم المالية، التي تفرضها الشهادة، إذ تم تقصد بعض كليات الخارج غير المعترف بها لإكمال دراساتهم في (الماجستير والدكتوراه) وأحياناً الحصول على الدكتوراه فقط من دون الحصول على الماجستير، وهو أمر مخالف لكل أنظمة التعليم في العالم أجمع. وعلى الرغم مما تفرضه هذه الكليات من رسوم، بيد أن تساهلها مع حضور الطالب للانتظام في الدراسة كان سبباً في ذلك، والاكتفاء بالاستشارات من خلال تواصل الكتروني مع المشرف فقط رفع عن كاهل بعض الطلبة تكاليف السفر، خصوصاً اذا ما عرفنا أن جزءاً كبيراً منهم هم من موظفي القطاع الحكومي، الذي لا يسمح بالسفر أو منح الاجازات الطويلة. وهنا تمكنت هذه المؤسسات من تفعيل التخادم غير المشروط مع طلبتها، إذ يحصل المتخرج على شهادته ويعود إلى وطنه في شهادة لم تعترف بها وزارة التعليم العالي، وهي تستحصل مستحقات المالية من دون عناء أو كادر تدريسي مثلما يحصل في الجامعات 

المعتمدة.  بيد أن الاقبال الكبير على مثل هذه الكليات ملفت للنظر، حيث كشفت وزارة التعليم بأن جامعة واحدة في أحد هذه البلدان تخرج منها (70) سبعون ألف طالب عراقي يحمل شهادة عليا، وهو عدد مخيف ومؤثر في النوع الابداعي والمميز لحامل مثل هذه الشهادة. وقد اتجه مسؤولون عراقيون كبار إلى الحصول على هذه الشهادات وهم ليسوا بحاجة اليها، وكل ما يحتاجه هو استمراره في المحافظة على الموقع الحكومي، أو من أجل الوجاهة الاجتماعية، حيث يظهر البعض في وسائل الاعلام المختلفة،وهم يحملون الأطاريح المنقولة أصلاً أو التي تمت كتابتها لهم، ولم يتعرفوا على ما تحتويه من متون نظرية أو نظريات علمية، أو تطبيقية، وإن أغلب هذه الدراسات تخصصت في العلوم الانسانية مثل (اللغة العربية، والقانون، والعلوم السياسية، والعلوم الاسلامية، والحاسوب) لما تفرضه المرحلة الراهنة، واستكمالاً للحضور المعنوي.   إن الدراسة بالمراسلة أو ما تدعى (الدراسة عن بُعد) تقوم خلافاً لقوانين الاعتراف بالشهادة أو تقييمها من قبل لجان علمية متخصصة، إلا أن الضواغط السياسية أحياناً تُجبر تلك اللجان أو المؤسسات الرسمية إلى تجاوز المعايير والاعتراف بها، وفي حالة افتراض عدم الاعتراف بها فأن الشهادة يتم تفريغها من محتواها الحقيقي (اجازة عمل)، وتظل ورقة تحمل اسم المتخرج مسبوقاً بحرف الدال من أجل تلك الوجاهة المفقودة للبعض، حتى في حالة عدم استحصال حقوق الشهادة المنصوص عليها في القوانين المرعية. وهناك الكثير من موظفي الدولة العراقية يحملون هذه الدرجات، إلا أن خط سيرهم الوظيفي تُعتمد فية الشهادات الأدنى، لكنهم يأملون يوماً ما لاحتساب الشهادة واضافة مخصصاتها إلى خدمتهم الوظيفية. وهذا ما يُفسر التزاحم للحصول على هذه الشهادة من جهات غير معتمدة أصلاً ومخالفة للضوابط وقوانين التعليم العالي المرتبط باجتياز ساعات ومواد محددة لكل مرتبة علمية.