عبد الهادي مهودر
لا أتذكر من الذي صرّح ذات مرة بوجود اكثر من عشرين جهازاً من أجهزة المخابرات الدولية تعمل في الساحة العراقية طولاً وعرضاً وعلى حل شعرها، وليس مستغرباً هذا الرقم، فقد يكون الرقم أكبر في حالات عدم الاستقرار السياسي والأمني، ويكون أقل ويتلاشى إذا أحكمت الدولة قبضتها، بحيث لا يطير طير غريب إلا وقع في قبضة النشامى، أو لكون ساحتنا أكثر حريةً وتنوعاً وانفلاتاً من ساحات الدول المحيطة والبعيدة، إضافة إلى تراجع حساسيتنا من الأجانب الى حد كبير، بحيث أصبح بإمكان أي مواطن عادي أو شيخ عشيرة أو نائب وسياسي دخول السفارات الأجنبية والتقاط الصور مع السفراء، ونشرها في صفحته الشخصية، ونيل مئات الاعجابات وعبارات (منوّر السفارة)، دون سؤالهم عن سبب تدخلهم في شؤون الدول الأخرى!
والمعروف أن جميع الدول التي لديها مصالح ومخاوف في الدول الأخرى، تزج بين موظفيها ورعاياها وشركاتها أفراداً من أجهزة مخابراتها لأهداف عديدة، ليس جميعها تآمرية وعدائية بالضرورة، ومن بين الأهداف التعرف على الدولة والمجتمع والفرص ومواطن القوة والضعف، أو لاستقراء المستقبل وتقوية النفوذ وشبكة العلاقات أو لمراقبة نشاط الخصوم في الدول الأخرى، وهي في جميع أشكالها عبارة عن تدخلات ولكن بأساليب مقنّعة وناعمة، وربما، بل هو من الطبيعي أن يكون لدينا مثلها على قاعدة (إعرف عدوك) وصديقك أيضا، ما دامت المصالح العليا للبلاد فوق العلاقات والمتغيرات، لكن الأكثر أهمية أن تلقي الأجهزة الأمنية القبض على أي طير مثير للشكوك، كما حصل في الهند، فقد جاء في الأخبار أن الشرطة الهندية أخلت سبيل (حمامة)، وأطلقتها بعد ثمانية أشهر من الاحتجاز، لاتهامها بالتجسس لصالح الصين، وبعد الإمساك بها قرب ميناء مومباي والشك بها لوجود حلقتين عليها كتابة تشبه اللغة الصينية في أرجل الحمامة المشتبه بها، وبعد التحقيق المعمّق ثبتت براءة الحمامة، وتبيّن أنها كانت هاربة من مسابقة للحمام الزاجل في دولة تايوان، ولاذت بسماء الهند لوذ الحمائم بين الماءِ والطينِ ،وحسب الخبر فهذه ليست المرة الأولى التي تشك فيها الشرطة الهندية في أحد الطيور، ففي عام 2020 أطلقت الشرطة الهندية في الشطر الهندي من كشمير سراح حمامة تعود ملكيتها لأحد الصيادين الباكستانيين، بعدما تبين أن عبورها من الجزء الخاضع لسيطرة باكستان، ليس جزءاً من عملية تجسس، وفي عام 2016 تم الإمساك بحمامة أخرى تحمل في إحدى أرجلها رسالة تهديد إلى رئيس الوزراء الهندي، والذي يثير الإعجاب في هذا الخبر هو درجة يقظة أفراد الشرطة والأمن الهنود وعيونهم المفتوحة على السماء، وأتمنى الاستفادة من خبرة الأخوة الهنود، اذا كان الخبر الذي نقلته (اسوشيتد برس) ليس مجرد رسالة تحذيرية واستعراض للقوة أو فيلم هندي.