د.اسماعيل موسى حميدي
وأنت تسمع بتساقط صواريخ الغرب الامريكية والشرق الايرانية في أقاصي البلاد، تشعر بنفسك كحال مهاجم المنتخب الوطني «ايمن حسين»، وهو يتلقى البطاقة الحمراء التي تدعوه للمغادرة السريعة خارج مستطيل اللعب.
العالم اليوم يبدو كمستطيل أخضر يخضع لقرارات الحكم العنيد «الولايات المتحدة». المستطيل الذي رسم بملامح امريكية تحكمت هي وحدها بقوانين اللعبة فيه واجتهدت بانتقاء تطبيقها، فتحمل العالم بعد ذلك بطاقات «صفر وحمر» أمريكية تدعوه للطرد خارج حدود السيادة. لذا فالدول المستضعفة عالميا أو التي لم تقو على المغازلة الناعمة للحاكم العالمي فانها باتت تعاني من انتهاك السيادة،والسيادة العالمية الحديثة بدورها مرت بمنعطفات كثيرة يمكن ان نوجزها بثلاث راحل :
المرحلة الاولى: بدأت منذ عام 1648 مع عقد اتفاقية وتسفاليا» (Westphalia).وهي المعاهدة التي اقرت مبدأ السيادة بين الدول، تم بموجبها الزام العالم بمجموعة بنود تخص السيادة،إذ اقرت مبدأ توازن القوى، ولم تعط الحق لاي دولة أو مجموعة استخدام القوة أو التهديد لتغيير أوضاع دولة اخرى،وفي حال كسر اي دولة لمبدأ توازن القوى فانه يتم التحالف ضدها، وبقي العالم ملزما بهذه المعاهدة لقرون طويلة، ورغم منعطفات الحربين العالميتين، فكان مبدأ توازن القوى هو السائد خصوصا في ظل القطبية التعددة في العالم والمتمثلة بالاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الامريكية والقوى المتحالفة،فتمخضت عن ذلك الجمعية العمومية ومجلس الامن الدولي وكان العالم يحكمه نظام دولي متعدد يحترم سيادة الدول.
المرحلة الثانية: بدأت عام 1991 مع تفكيك الاتحاد السوفيتي وتحوله إلى دويلات،وبذلك غادر العالم القطبية الثائية إلى الاحادية القطبية، المتمثلة بالولايات المتحدة الامريكية التي اخذت التسيد على العالم يوما بعد آخر، خصوصا أنها بدأت مرحلتها في انتصار سريع في حرب الخليخ وإخراج العراق من الكويت. وهنا وضع الرئيس الامريكي الاسبق “كارتر”عام 1996 ما يسمى بـ”استراتيجية القرن المقبل” وفي هذه المرحلة بدأ التمرد على معاهدة “وتسفاليا” (Westphalia).؟ فراحت الولايات المتحدة تضع الملامح جديدة للعالم الذي يخضع لسياستها خصوصا بعد احداث الحادي عشر من سبتمر عام 2001. ووضعت لنفسها استراتيجية احكمت بها نفسها تحددت بـ
تجاوز السيادة للدول بحجة “التدخل الإنساني”.
تشريع الاغتيال السياسي، من خلال اغتيال اي شخصية خارج حدود الدولة دون الاكتراث لسيادة الدول.
وضع وصف لـ”لدولة المارقة” فاجازت لنفسها التدخل لانقاذ أي شعب من ظلم الحاكم المستبد بحسب رؤيتها.
4- العمل على التدخل في شؤون الدول باساليب غير مباشرة، مثل صندوق النقد الدولي،منظمة التجارة العالمية والمنظمات الحكومية الاخرى. وهنا بات العالم شبه أسير لهذه الأيديولوجيات الاحادية.
المرحلة الثالثة: هي مرحلة الفوضى. ففي هذه المرحلة راح العالم يعيش تداعيات السياسة الامريكية، فتمخضت عن ذلك نشوء جماعات مسلحة غير نظامية ومليشيات، خرجت من تحت عباءة كثير من الدول وبعضها برعاية تلك الدولة أو ذات مرجعيات اقليمية وقعت تحت سطوة السياسة الامريكية كرد فعل عن تلك السياسات خاصة في الشرق الاوسط، بدءا من طالبان وانتهاءً بالحوثيين، المخيف ان هذه الظاهرة في طريقها للتمدد لتصبح ظاهرة عالمية وتكون الجماعات المسلحة هي من تحكم العالم.
وأغرب وأخطر ما في ذلك أن كثيرًا من الدول راحت تتبع السياسة الامريكية نفسها في المنطقة تغتال سياسيا وتنتهك السيادة وتدافع عن مفهومها القومي بالطريقة الامريكية، فهل سيأتي يوم لتصبح لكل دولة قوات ظل غير نظامية تهدد وتغتال وتدافع عن الدولة
الأم.
العالم بحاجة إلى انتاج وتسفاليا” (Westphalia) جديدة تعيد له توازنه،والا فان العالم متحول إلى سياسة اسبارطا واثينا القبلية القديمة كنهج دفاعي عن السيادة ورد الحروب.