مناهضة التطرّف

العراق 2024/02/13
...

أحمد عبد الحسين

أمس كان "اليوم العالمي لمناهضة التطرّف العنيف". ومرّت المناسبة من بيننا مسرعة من دون أن يلحظها أحد. فباستثناء بعض الكلمات البروتوكوليّة وبيانات المنظمات الدوليّة، لم يكد يلحظ أحد أن هناك يوماً "يوماً واحداً في السنة" نقدر فيه أن نقف في مواجهة التطرّف. كنت أودّ أن أقول: مرت المناسبة بسلام. لكنْ لا سلام على الأرض.
افتح التلفزيون على أية قناة فضائية وقفْ أمامها دقيقة واحدة فقط، وانظر إلى الشريط الأخباريّ الذي يمرّ في الأسفل، سترى مسيل دمٍ لا يتوقف، وأرقام ضحايا تترى بالعشرات شرقاً وغرباً، تختلف أسماؤهم وألوانهم وقومياتهم وجنسياتهم وأديانهم لكنّ سبب قتلهم يكاد يكون واحداً أحداً وهو التطرّف العنيف الذي احتفلنا أمس بمناهضته.
لطالما كانت عقائد الإنسان المكوّن الأبرز لهويته، وعنواناً على عدم نشدانه العيش كيفما اتفق بل إرادته أن يحيا بامتياز بوصفه الكائن الوحيد المتسائل عن وجوده ومبتداه ومنتهاه. لكنّ هذه العقائد أصبحت أكبر ذريعة للقتل الذريع حين حوّلها إلى سلاح، وأعلاها على إنسانيته نفسها. وهذه هي أولى خطوات التطرف المفضي إلى الاحتراب.
تبدو المناسبة مجرد نكتة سمجة وهي تأتي في غمرة انشغال الوحش الصهيونيّ بتقطيع لحوم الأطفال في غزة ورفح وسائر أراضي فلسطين. ويبدو العالم الأصمّ بلا قلب وهو يصدّق أنّ يوماً واحداً تلقى فيه الخطب عن اللاعنف قادر على ردع هذه الشهوة للقتل، أو مانع من رغبة الإنسان في أن يتحيون.
لا أظنّ أن شعباً ابتلي بالتطرف كالعراق، فقد كاد المتطرفون من العصابات المجرمة كداعش أن يشطبوا اسم العراق من قائمة الدول لولا الاستبسال الأسطوريّ للعراقيين ولولا التضحيات التي قدّمها شهداؤنا من القوات الأمنية والحشد والبيشمركة والمتطوعين. ولا أظنّ أن أحداً يحق له التحدث بالفم الملآن عن خطر التطرّف أكثر من العراقيّ الذي أدخله التطرّف في برازخ مظلمة خرج منها منتصراً لكنْ بكثير من الدم والدموع.
ومع ذلك فإنّ خللاً أساسياً يخالط فهم العالم للتطرّف، ففي العادة ينصرف الذهن حين سماع كلمة "تطرّف" إلى المجاميع المسلحة التي تنشط بإرهابها في هامش قصيّ وتستوطن ثغرات الدول، غير أن الحقيقة ليست كذلك، فالتطرّف الذي لا يناهضه أحد هو تطرّف دول كبرى تباشره بجيوش مسلحة بأحدث الأسلحة وتصنع به إبادات جماعية بين كل خطبتين عن اللاعنف ومناهضة التطرّف.
ما يحدث في فلسطين بمعونة ومباركة أميركا دليل على أنّ العالم فقد قلبه وضميره وإحدى عينيه!