علي حسين عبيد
الحاضنة الاجتماعية هي التي تزرع الخصال والسلوكيات في ذات الفرد، فهناك قيم يتحلى بها المجتمع ويتمسك بها، سرعان ما تتغلغل هذه القيم إلى ذات الإنسان، ومن ثم تتحول إلى سلوكيات وأفعال، في السابق كانت هناك سلوكيات عند العراقيين تدل على غياب الإصرار عندهم، أو ضعف وتخلخل حالة الثبات على النجاح.
فإذا فشل أحد العراقيين في جانب أو نشاط معين، فإنه لا يفكر في إعادة الكرّة، ومن أكثر الأسباب التي توقف الرغبة بالإصرار عند العراقي في إعادة المحاولة، أولئك الناس الذين يحيطون به، والقريبون منه، كالأسرة، والمدرسة، أو مكان العمل، والاصدقاء، فهؤلاء جميعا هم السبب في عزوف الفرد العراقي عن محاولات الإصرار على النجاح، لماذا؟
السبب أن هؤلاء المحيطين بالفرد الذي يفشل هنا أو هناك، يمنعونه من التجريب الثاني، ويعارضون هذه الفكرة، ويخبرونه بأنه غير قادر على النجاح، طالما أنه فشل في هذا المضمار، وعليه ألّا يصرّ ولا يجرب حظه، كونه فشل في المرة السابقة، وهكذا تتم زراعة الإحباط بشكل مكثّف في أعماق الإنسان، فتجعله هذه الحالة يفكر أكثر من مرة قبل أن يكرر المحاولة والعبور من الفشل إلى النجاح.
ثقافة الإحباط هذه كانت منتشرة بين العراقيين بشكل كبير، لدرجة أن هنالك أمثالا شعبية تكرّس هذا النوع من الثقافة بين الناس، فيُقال الكلام المعروف بين العراقيين ويرددونه دائما (العراقي ما يصيرله جاره)، أي أن الفشل يلاصق العراقي في حلّه وترحاله، وهذا كلام غير دقيق، وليس له نصيب من الصحة، فالعراقي ينتمي إلى الإنسانية، ومواصفاته الجسدية والروحية والمعنوية لا تختلف عن أناس الأمم الأخرى، لهذا فما يفلح فيه الإنسان في مشرق الأرض أو في مغربها ينطبق على العراقي تماما.
الدليل هو نجاح العراقيين والنهوض مرات ومرات من قبضة الفشل وطرْق أبواب النجاح مرة بعد أخرى، وأقرب مثال ما تعرض له المنتخب الوطني في مباراته (الظالمة) أمام منتخب الأردن في تصفيات أمم آسيا التي جرت في الدوحة بقطر، حيث تم إلحاق الهزيمة بالفريق العراقي رغم كونه المنتصر والمتقدم حتى الدقائق الأخيرة من المباراة، ولكن صنّاع ثقافة الإحباط اصروا على أن يلحقوا حالة الفشل بالفريق العراقي، وهم يعرفون جيدا بأن الشعور بالفشل والحزن والإحباط سوف يطول العراقيين جميعا.
لكن كيف تصرف العراقيون مع هذه الكبوة المفتعلة أو الخارجية، فحين نراجع المواقف نلاحظ أن جميع المسؤولين تصدوا لحالة الفشل والإحباط، وجميع الكادر من مدربين وأعضاء المنتخب، هؤلاء جميعا كان لديهم إصرار واضح وقوي جدا على عبور حالة الإحباط بإصرار كبير، ولاحظنا ذلك، من خلال تصرفات رئيس اتحاد كرة القدم، والكادر التدريبي واللاعبين وحتى رئيس الوزراء استقبل الكادر الرياضي كله بنفسه، واثنى على جهودهم وحثهم على الاستعداد للمرحلة المقبلة، وهذا يعني أن هناك إصرارا كبيرا على تفتيت ثقافة الإحباط.
وهذا ما حدث بالفعل، فتحولت حالة الإحباط إلى حالة تفاؤل واستعداد مستمر للسير قُدُما نحو بوابات النجاح، التي لا يمكن أن تُغلَق أمام المصرّين على تجاوز ثقافة الإحباط نحو تحريك ثقافة النجاح، والاستمرار في ذلك، وهي ثقافة النجاح أو الفوز والتفاؤل، حيث نحن بحاجة إلى هذه الثقافة كبديل لابد منه لثقافة الإحباط.