الجمهورية الإسلامية في إيران في عيدها الـ45.. هل من قراءة جديدة؟

آراء 2024/02/15
...

محمد صالح صدقيان


ثمة اشكالات توجَه للنظام السياسي في إيران ولدستورها، الذي لم يستطع تقديم نموذج حضاري يستطيع العيش مع المحيطين الاقليمي والدولي، أو أنه يحاول استغلال عواطف شعوب المنطقة، التي انسجمت مع قيم الثورة التي بُشر بها الامام الخميني في الثورة علی الهيمنة الغربية، وطرح البديل الذي يريد الاعتماد علی الامكانات الوطنية في بناء الامة واعادة كرامتها بعد سنوات من الاحتلال والاستغلال والدكتاتورية والظلم والاستبداد.
احتفل الإيرانيون الاسبوع الماضي بالذكری الخامسة والأربعين لانطلاق الثورة الاسلامية، التي قادها الراحل الامام الخميني عام 1979؛ وسط تحديات يشهدها الداخل الإيراني والمحيط الاقليمي.
كثيرون في المنطقة أبدوا تعليقاتهم ووجهات نظرهم بشأن هذه الثورة وموقفها من ملفات هذه المنطقة الساخنة منذ العام 1980 ولحد الان. ومن الطبيعي جدا أن ينطلق هؤلاء من الخندق الذي هم فيه. فمنهم المعارض ومنهم المؤيد؛ وآخر رأی فيها بأانها أم الفوضی؛ ورابع بارك لها هذا العمر القصير.. وخامس قيّمها من الزاوية الطائفية وسادس قال عنها عنصرية..وهكذا. لكن ما يمكن فهمه أن هذه الجمهورية الصاعدة ما زالت محل خلاف عند النخب والمثقفين العرب، بسبب دورها وانخراطها في جميع الملفات الاقليمية بما في ذلك الملفات العربية.
 ما يريح الإيرانيون انهم يرون محيطهم مهتما بهم حتی وإن كان هذا الاهتمام من جانب النقد والتهجم، لأن ذلك يعني حسب مفهومهم بأنهم مؤثرون في واقعهم الاقليمي. قالوا في يوم ما إنهم سيطروا علی أربع عواصم عربية.. وفي يوم آخر قالوا إنهم أسسوا جيوشا في بلدان معينة؛ فيما نقلوا أن ما تشهده المنطقة هو انتصار وانتقام لدماء قاسم سليماني، الذي اغتالته الولايات المتحدة بأمر من رئيسها السابق دونالد ترامب. وفي المجمل يجب أن نقتنع أن إيران اليوم لم تنم علی حافة السرير الإقليمي، وانما منخرطة في التفاصيل من أجل تمرير وترسيخ مشروعها في المنطقة، الذي يقوم علی أساس مقاومة الاحتلال الاسرائيلي، وجعل المنطقة خالية من التواجد الاجنبي العسكري لأنها تعتقد أن هذين العاملين لا يحققان الأمن والاستقرار في المنطقة، ولا يجعلان دول المنطقة تعيش بعيدا عن الحروب والأزمات والتوترات، لتَعارض الأهداف والمنطلقات بين الولايات المتحدة واسرائيل من جهة ودول المنطقة وشعوبها من جهة أخری.
ثمة اشكالات توجَه للنظام السياسي في إيران ولدستورها، الذي لم يستطع من تقديم نموذج حضاري يستطيع العيش مع المحيطين الاقليمي والدولي، أو أنه يحاول استغلال عواطف شعوب المنطقة، التي انسجمت مع قيم الثورة التي بُشر بها الامام الخميني في الثورة علی الهيمنة الغربية، وطرح البديل الذي يريد الاعتماد علی الامكانات الوطنية في بناء الامة واعادة كرامتها بعد سنوات من الاحتلال والاستغلال والدكتاتورية والظلم والاستبداد. أوردت هذه المقدمة لعلمي بأنها تدور بأكثر من دائرة في محيطنا العربي، لكننا يجب أن ننظر لهذه الثورة وفق مفاهيم اخری ليس من أجل تغيير قناعاتنا وإنما من اجل اتخاذ الموقف الصحيح لآلية التعامل مع النظام السياسي الإيراني، لأنه في نهاية المطاف هو جزء منا كدول عربية؛ وهو موجود بيننا كدول إقليمية؛ والضرورة تتطلب أن يفهم بعضنا الآخر علی حقيقته وليس كما نتمنی أو كما نفكر ونعتقد.  الإيرانيون قاموا بثورة عام 1979 ونجحوا باسقاط نظام دكتاتوري مستبد، عاش تحت ظل دعم غربي وامريكي واضح جعله “شرطي الخليج” لأعوام عجاف علی إيران وعلی دول المنطقة. قاموا بالاستفتاء علی شكل النظام؛ كما قاموا بالاستفتاء علی الدستور الذي كتبته اقلام إيرانية قبل أن يتم تشكيل الجمهورية الاسلامية، التي استندت علی صناديق الاقتراع في تعيين الرئيس والبرلمان ومجالس المحافظات، وحتی المرشد عبر مجلس خبراء القيادة الذين ينتخبون بواسطة تلك الصناديق. كل ذلك تمَّ لدولة من الدول النامية، في وقت كان الاستبداد والهيمنة هو السائد في أكثر من دولة من دول العالم الثالث. هل كان ذلك اجهاضا لحركة الشعب الإيراني الذي ثار واسقط الدكتاتورية والاستبداد؟ هل انه وصل الی ما كان يطمح اليه؟ أنا أعتقد أننا كعرب وشعوب في هذه المنطقة يجب أن نحترم إرادة هذا الشعب، لأنه هو الذي اختار نظامه السياسي، وضحّی من أجل ذلك وما زال يسير بهذا المسار. الاسبوع الماضي خرج 25 مليون شخص في جميع المناطق الإيرانية، من أجل الاحتفال بذكری ثورته بعد 45 عاما من التحديات والانجازات والاخفاقات، وسوف يتوجه بعد اسبوعين لصناديق الاقتراع من أجل انتخاب نواب البرلمان وأعضاء مجلس خبراء القيادة، الذي يتكفل باختبار المرشد في حال فراغ المنصب؛ واستطلاعات الرأي الاولية تتحدث عن مشاركة اكثر من 50 بالمئة من المواطنين “علی الاقل” في هذه الانتخابات.
هذه المشاركة وهذا التعاطف يأتيان في الوقت، الذي تواجه فيه إيران تحديات وتهديدات ليست هينة علی صعيد المستويات السياسية والامنية والاقتصادية، والتي انعكست بشكل ملموس علی الاوضاع الاجتماعية لكن في مقابل ذلك استطاع النظام من الحفاظ علی تماسكه وقدرته علی تحويل هذه التحديات والتهديدات الی فرص من اجل التقدم في المجالات العلمية والتقنية والعسكرية والوقوف امام هذه التحديدات، التي اسقطت انظمة سياسية في منطقتنا، وفي غيرها خلال العقود الماضية.
من الصعب أن نشاهد بعض النخب العربية تخطأ في تقديراتها، عندما تقيم النظام السياسي في إيران، ليس لأنه يُبعد هذه النخب عن الواقع، لكنه أيضا يعطي تصورا بعيدا، عمَّا يفكر به النظام السياسي في إيران؛ وتكون المشكلة أكثر تعقيدا، عندما تدخل مثل هذه التصورات والتقديرات في القرار السياسي أو الامني.
 وفي نهاية المطاف يسود الاعتقاد أن هذه النخب اخطأت مسار تقييم الجمهورية الاسلامية سواء كانت بمصلحتهم أم لا؛ وأخطأت في آلية التعاطي مع القيم والمبادئ، التي جاءت بها هذه الجمهورية من أجل تعايش سلمي في المنطقة، بعيدا عن التوتر والازمات والحروب ودرء التهديدات، التي تواجه دول وشعوب هذه المنطقة.