علي الخفاجي
رُبَ سائلٌ يسأل هل إن المجتمع مسير أم مخير تجاه الانحراف الأخلاقي، خصوصاً إذا ما توافرت عوامل كثيرة تدفع الكثير منهم على الانجرار نحو الهاوية؟، من الممكن أن تتعدد الأسباب، وكذلك الإجابات لدى الناس وكلٌّ لهُ وجهة نظر، فمنهم من يرى أن سبب هذا الانحراف بسبب الابتعاد عن الالتزامات الدينية، والتي بدورها أدت إلى هشاشة الأخلاق في مجتمع هجمت عليه الحرية هجوماً شاسعاً دون سابق إنذار، فالانتقالة من عصر الاضطهاد والتكتيم إلى عصر الانفتاح والحرية المفرطة أدى في كثير من الأحيان إلى شوشرة عقول الكثيرين ممن لهم الرغبة في الانجراف، وهناك من يرى العكس بأن ارتدادات الالتزام الديني هي من أدت إلى الإنحلال الاخلاقي نتيجة الضغط الكبير على المجتمع، وبين هذا وذاك لابد لنا أن نشخص العوامل، التي أدت إلى تفكك المجتمع من وجهة نظر إجتماعية قانونية، لنرجع بالزمن قليلاً إلى الوراء، فجميعنا يحن إلى الماضي رغم قسوته والمرارة التي تعتريه، لكن مايجعلنا نحِنُّ لتلك الفترة هي البساطة المجتمعية، التي كنا نعيشها وكذلك الأعراف والقيم والتي ساهمت بجعلنا اشخاصاً ذوي مسؤولية في كثير من الأحيان، حيث التربية تبدأ من الشارع مروراً بالمدرسة انتهاءً بالبيت الذي يعد المرحلة النهائية لصقل شخصية الفرد، واذا ما تم ذكر القانون وأهميته فأنه يـُسير حياة الناس بعيداً عن الاعراف العشائرية، فهنا لنتفق إن القانون يكمن بتطبيقه وليس بما مثبت على الورق، فلا فائدة من قوانين وتشريعات حازمة دون تطبيق.
استوقفني تقرير كنت قد شاهدتهُ قبل عدة أعوام وهو أن برنامج «التيك توك» سيء الصيت مقيد بالدولة التي انشأته، بمعنى أن الصين قد حددت المحتوى المسموح به بالمشاهدة داخل الدولة، وفرضت قيودا على المستخدمين، وليس مباحاً كما في اكثر دول العالم ومنها العراق، بطبيعة الحال ونتيجة لثقافتي المحدودة بالـ»تيك توك» وعدم اطلاعي على ما ينشر به وعن طريق الصدفة اثناء تصفحي لأحد برامج مواقع التواصل الإجتماعي، واذا بمقطع فيديو أجبرني لمشاهدته لمعرفة ما يدور في هذا العالم الافتراضي، واذا به يتحدث عمّا يطلق عليه احكام، والأحكام؛ هي أن يجتمع أكثر من شخص من مستخدمي هذا البرنامج، ويقوموا بطرح موضوع على ما يبدو كلما يكون أشد سخافة وانحرافاً كلما يجمع مشاهدات أكثر، وبالتالي تزداد أرباح صاحب المقطع، ونتيجة لضعف المنظومة القيمية وسط هذا المجتمع الملء بالترهات والسلبيات، وكذلك للهجمة الشعواء التي حلَّت بنا في السنوات الماضية، بات الناس لم يفرقوا بين الترفيه والانحدار بكل عناوينه «الأخلاقي والمعرفي والاجتماعي» وهو ما يزيد من الطين بلة.
في كثير من الأحيان أؤيد فكرة روح القانون، وليس تطبيقه بحذافيره، لأنه وحسب تعبير فقهاء القانون بأن القانون مطاط يتحمل الكثير من الاحتمالات والتأويلات، ولست هنا من الأشخاص الذين يعارضون الحرية، لا سيما حرية التعبير عن الرأي وحرية التفكير، لكني هنا أؤيد اذا ما تم استخدام هذا الحق بالصورة المثلى، بما لايتعارض مع النظام العام والآداب، وبطبيعة الحال ما يجري اليوم من انفلات أخلاقي، وعلى ما يبدو هو انفلات مخطط له، وبمساعدة مثل هؤلاء الحمقى تجاوز الحد المسموح به، فلا بدَّ من استخدام القانون الصارم الذي يحد من هذه الأفعال لأن برمجة العقل الجمعي على التفكير المنحرف و التفاهة سيؤديان بالتالي على تقويض العقل السوي وتهديم المجتمع.