د. حميد طارش
لم يستفد العراق من موجة السيول على الرغم من الحاجة إليها، إذ دمرت عدة منازل وجرفت بعض المحاصيل والأشجار، وكان بالإمكان تجاوز ذلك بعد إعلان هيئة الأنواء الجويَّة حالة الإنذار الأحمر، وهو أعلى درجات الإنذار، الأمر الذي يتطلبُ أعلى درجات الحيطة والحذر، بما في ذلك إخلاء المناطق ذات الخطورة العالية، وهذا لا يناقض أو ينتهك حقوق الإنسان، بل يدخلُ في إطار حمايتها، لا سيما أنَّ أسمى الحقوق المتمثل بحق الحياة يتعرضُ للتهديد، أي بمعنى آخر، لا مانع من اتخاذ إجراءات تبدو كأنها مكبّلة لبعض الحقوق طالما أنَّها تصبُّ في حماية أساس تلك الحقوق وهو حق الحياة.
العراق بحاجة ماسَّة للمياه، ومنها مياه السيول، لكنها، كما في سنواتٍ سابقة تحصدُ الأرواحَ وتجرفُ الممتلكات وتضرُّ حتى المزروعات من دون الالتفات الى تسخير وسائل معينة للاستفادة منها، كالسدود أو مجاري الأنهار اليابسة أو فتح قنوات خاصة للاحتفاظ بها ومن ثم استخدامها، وهذا ما نراه في دولٍ مجاورة تذهب الى جمع مياه الأمطار عبر قنواتٍ تصبُّ في أنهارٍ أو سدود.
الطامَّة الكبرى التي صاحبت السيول الأخيرة أنَّها اختلطت مع سوائل النفط لتنعدم فائدتها من الأساس وتكون قاتلة للحرث والزرع، والسؤال المهم هنا، يوجّهُ الى وزارتي النفط والري عن هذه الحالة التي يجب ألا تحدث، وأنْ تتوقف حالات الهدر التي أصبحت نمطاً عادياً فمن احتراق ثروة الغاز الطبيعي مسببة للتلوث البيئي والتغير المناخي وعدة أمراضٍ خطيرة الى مياه دجلة والفرات التي تذهب للخليح، إذ تعيد علينا تركيا القول، في كل مفاوضات لزيادة حصتنا المائيَّة، ببناء السدود والحفاظ على الثروة المائيَّة، لكنْ للأسف، حتى في حالة هبة السماء لنا بالمياه فإنَّها تضُرُّ ولا تنفع رغم الحاجة إليها، وهذا بالتأكيد سيؤثر في نظرة الدول المتشاطئة معنا في نهري دجلة والفرات، أي نعطي صورة عدم الاكتراث واللامبالاة في معالجة ملف المياه، وكما هو معروف تعتمد تلك المعالجة على آليات ووسائل داخليَّة، وهي الأهم، فضلاً عن إجراءات دول المنبع.