داعش يُبعث من جديد

آراء 2024/02/20
...

 أ.د. عماد مكلف البدران

ما أنْ بثت قناة العربيَّة في 16 شباط 2024 مقابلة مع أسماء زوجة أبي بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش الذي قتل عام 2019 بضربة من طائرة أميركيَّة، حتى بدأ القلق يساور المهتمين بهذا الشأن والمتتبعين لأخبار هذا التنظيم الإرهابي، فقد انطلقت التقارير والأخبار بسرعة البرق عبر الفضائيات ووسائل التواصل في اهتمامٍ جديدٍ غير مسبوقٍ، بعد أنْ صمتت لأعوام وهذه المرة تؤكد أنَّ التنظيم بدأ يعيد نفسه في مناطق عدة من العالم،

 لا سيما في القارة الافريقيَّة، إذ أكدت أنَّه انتشر فيها وأسَّسَ له خلايا مع وجود تنظيمات تعيدُ نفسها تحت الركام في منطقة الشرق الأوسط، وأكدت أيضاً أنَّ التنظيم ما زال يتخبط في رحلة البحث عن قيادة جديدة بعد مقتل البغدادي وأنَّ الصراعات مستعرة بين أجنحته حول اختيار (الأمير).

واللافت للنظر أنَّ زوجة البغدادي أكدت على نقطة مهمة للغاية وهي أنَّ البغدادي كان إنساناً طبيعياً معتدلاً منذ أنْ تزوجته عام 1999، وبعد أنْ ألقت عليه القوات الأميركيَّة القبض عام 2004 وسجنته لمدة عام، خرج متطرفاً للغاية وأعلن في ما بعد تأسيس (تنظيم الدولة الإسلاميَّة في العراق والشام وهو تأكيدٌ من زوجته على أنَّه صُنع صناعةً فكأنَّ اعتقاله كان انتقائياً فهي لا تعرف لماذا اعُتقل، وربما وحسب فهمي المحدود أنه اُختير لمهمة الإرهاب كونه دارساً للعلوم الإسلاميَّة، إذ كان يحمل شهادة الدكتوراه وفصيح اللسان ومتمكناً دينياً من حيث الثقافة، وعلى الرغم من أنَّه كان قد انتمى لجماعة أهل السنة عام 2003 أي بعد السقوط، إلا أنَّ زوجته لم تُشر الى ذلك وإنما كانت تؤكد أنَّه كان معتدلاً وتطرفه جاء بعد سجنه، وإذا ما أردنا إبعاد التهمة عن المخابرات الأميركيَّة على أنها هي من صنعته ودفعته للعمل من أجل إشعال المنطقة ولإيجاد ذريعة بقائها في العراق وتمددها، فضلاً عن إيجاد وسيلة لإيقاف ما أسمته بالتمدد الإيراني، فقد صنعت شخصاً متطرفاً طائفياً تكفيرياً بامتياز هي ودول إقليميَّة عربيَّة كانت وما زالت متخوفة من النفوذ الإيراني وقوته المذهبيَّة.

وفي وجهة نظر أخرى أقول فيها ربما تعلم البغدادي في السجن على يد إرهابيين تكفيريين الإرهاب والتطرف وأساليب الانتشار والتوسع تحت مفاهيم إسلاميَّة سياسيَّة قديمة تتمحور حول مفهوم الخلافة في سعي منه لإقامة خلافة على غرار الأمويَّة والعباسيَّة، لذلك كان نطاق عمله العراق وسوريا، إلا أنَّ أبشع استغلال لهذا التنظيم سواء أكان مصنوعاً مخابراتياً أم لا، هو الاستغلال الدولي لحرق المنطقة وأبقاؤها ملتهبة لنهب ثرواتها ولأنْ تكون منطقة تصفية حسابات ومسائل تتعلق بالتوازن الدولي بين معسكرات بدأت ترجع وأخرى مهيمنة على رأسها أميركا والغرب، إذ أكد المحللون أن افريقيا اليوم تشهد نمواً لتنظيم داعش بسبب تأثيرات الحرب في أوكرانيا فلغرض فتح جبهات جديدة على أميركا وحلفائها الداعمين لأوكرانيا، يُدعم التنظيم من روسيا والصين بالضبط كما فعلت أميركا سابقاً عندما دعمت القاعدة في أفغانستان لتقف ضد الغزو السوفيتي وتمدده ذلك عام 1979 ودخلت الصين داعمة لأنَّ أميركا تدعم تايوان الدولة التي تُريد الصين استرجاعها بل أدخلوا إيران في تحليلاتهم على أنَّها داعمة لهذه التنظيمات المتطرفة.

وأياً كانت التحليلات والتكهنات فإنْ منطقتنا ستشهد لعبة جديدة تستغل صناعة قديمة للتنظيمات المتطرفة، إذ من المرجح عودة داعش بدعمٍ دولي أميركي لتدخل المنطقة بحربٍ طائفيَّة تجرُّ اللاعبين من جديد الى مستنقع العراق إيران، والأبعد الروس وغيرهم، وهكذا هي التنظيمات المتطرفة سيفٌ ذو حدين مع صانعها وضده حينما يُجيد أعداؤه اللعبة نفسها.