ابراهيم سبتي
ان الحفاظ على التراث والاثر الشاخص وحتى المندثر، هو مسؤولية جماعية تبدأ من المواطن وتنتهي بالدوائر المسؤولة. واجد من الضروري ان اشير هنا إلى اننا ننبهر لرؤية اية طبيعة جغرافية خارج العراق أو يصيبنا الذهول من رؤية تراث أو اثر معروض للأنظار.. هذه الدهشة تعود إلى عدم تشبعنا من آثارنا أو من تراثنا أو من مناطقنا السياحية التي ربما تنافس ما نراه في
الخارج.
أغلب المدن العراقية وخاصة التاريخية والتراثية، تحتضن بين دفتيها ارثاً لا يقدر بثمن. وهذا الإرث يتنوع حسب جغرافية المدينة وحالتها الاجتماعية والاقتصادية وثروتها البشرية. فنظرة إلى هذه المدن سنجد أنها غزيرة التاريخ وعناصره ومدوناته واصوله وموارده.
فهي تحتضن الاثر بمختلف حقبه الزمنية، وهو امتداد طبيعي للحضارة العراقية القديمة الموغلة في اعماق الأزمان البعيدة. فيما نجد العناصر الاخرى كالتراث المتجسد في ابنيتها ومرافقها وطبائعها وشواهدها الحضارية الأصيلة الموروثة، ونرى فيها الطبيعة الخلابة الجاهزة لصناعة سياحة متطورة تواكب التقدم السريع في هذا المجال.. هي تضم اذن الطبيعة والاثر والتراث والعنصر البشري، وهذه هي الكنوز الخبيئة والتي لا يعلم بها احد من المهتمين ربما.
المدن العراقية، مدن حيّة منتجة ومتحركة وتصنع الحياة في كل عصر من عصورها وتمنح بصمتها لكل جيل وفي كل حقبة.
من الضروري والمؤكد، صيانتها تراثياً وتاريخياً في كل موقع للحفاظ عليه واطالة عمره في مواجهة التقادم وعوامل
الزمن.
الامر الذي يترجم الاحترام لما تركه الاجداد من اسطورة اسمها الحضارة مما يعبّر عن مدّ الجسور مع المستقبل طالما ان كل ما موجود هو مجموعة روابط للعبور بالماضي إلى رحاب
المستقبل.
إن قضية التراث، هي مفصل مهم من مفاصل تثوير التاريخ لخدمة الحاضر، لأنه يعبّر عن الهوية الخاصة، التي تعمل على ترسيخ مقومات وعناصر الانشداد والانجذاب نحو البلد أولاً ومن ثم المدينة التي هي مصدر
اعتزاز.
ان لكل مدينة هويتها واسلوبها وخارطة اهتماماتها، التي تختلف عن المدن الاخرى.. فمثلا المدن العراقية الوافعة في الشمال تختلف عن مدن الوسط، وهي بالتالي تختلف عن مدن الجنوب في كل النواحي مهما اختلفت، لكنها تظل واحدة في رسم حضارة البلد وتشكل لوحة الحضارات الخالدة. فان درسنا واقع كل مدينة سنعثر على عناصر دهشة كثيرة تختلف عن الاخريات بكل تفاصيلها.. و لو افترضنا اننا اقترحنا مهرجانا للاحتفال بمدينة البصرة مثلاً، تراثها وتاريخها ماذا سنجد؟ أنها ايقونة تاريخية لها هوية واسلوب تبدأ من مناطق الحضارة، التي اثرت في تاريخ العراق ومرورا في التراثيات، التي تذهل الزائرين والسياح إلى المفردات الاجتماعية المتداولة، وصولا إلى ألعاب الأطفال والعادات والتقاليد..إنها جاهزة لرفد الدراسات والبحوث بكل اصناف المواضيع التي لا تنتهي، اضافة لكونها موسوعة سياحية تضم كل مقومات وعناصر السياحة، التي يبحث عنها الزائر الاجنبي. الأمر الذي ينسحب على المدن
الأخرى.
ان الحفاظ على التراث والاثر الشاخص وحتى المندثر، هو مسؤولية جماعية تبدأ من المواطن وتنتهي بالدوائر المسؤولة. واجد من الضروري ان اشير هنا إلى اننا ننبهر لرؤية اية طبيعة جغرافية خارج العراق أو يصيبنا الذهول من رؤية تراث أو اثر معروض للأنظار.. هذه الدهشة تعود إلى عدم تشبعنا من آثارنا أو من تراثنا أو من مناطقنا السياحية التي ربما تنافس ما نراه في
الخارج.
ان التخطيط للجذب وصناعة الاهتمام وبث خطاب الاقناع حول مكانة مدننا، كفيل بأن نرى اشياء ربما لم نرها من قبل
حتما.
فلو ان كل مدينة عراقية من مدن الأثر والتاريخ تنظّم مؤتمرا أو مهرجانا سنويا ثابتا لاطلاع الجمهور على ما تحتضنه، وكتابة البحوث واصدار الدوريات والكتب عنها، ستؤدي بالتأكيد إلى اظهارها للعلن كما يحدث للمدن في بعض البلدان، فعرض الأثر والتراث المتمثل بالبيوت القديمة والاسوار حتى المندثرة منها واماكن العبادة وجميع ما موجود من صنيع
خالد.
إنها فكرة ليست مستحيلة وبالتالي فهي ليست مصطنعة من العدم، بل ان مقوماتها متوفرة وتتباهى بكونها موغلة في العمق التاريخي، ولا تحتاج سوى إزالة الغبار عنها وعرضها بأحلى منظر واعادة تأهيلها للحفاظ على طابعها الاصيل.
إن نعمة التراث والأثر التاريخي، اضافة لما تمتلكه كل مدينة من عادات وتقاليد وموروث اجتماعي وشعبي، كفيل بجعلها ترفع راية التميز وتكون متناغمة مع الوان المدن المماثلة لها في الخارج، لأنها ستعمل على دمج الحالة التراثية مع الحالة العصرية، لرفع منسوب التنمية والرفاه الاقتصادي والاجتماعي.
ان تأهيل هذه الاماكن ستكون حافزا للعمل الدائم وكسب الايدي الشبابية الكفوءة في عملية اعادة صياغتها واجراء صيانتها دورياً، سنربح كنوزا ظلت بعضها خبيئة لا يعلم بها احد.