باقر صاحب
بدأت مقالات الرأي في الصحافة العربيّة، منذ فترة، بالحديث عمن سيكون سيّد البيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي ستجرى في الخامس من تشرين الثاني المقبل. على رأس المرشحين، كما نعرف، الرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدن، وغريمه اللدود الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب. وهنا نركز، في مقالتنا، على اعتبارات السياسة الخارجيّة والمثالب الشخصيّة، المؤشرة على قدرات كل منهما في توليّ رئاسة أميركا من جديد، لأن الحديث عن السياسة الداخليّة، يتطلب حيّزاً أكبر، لا يتسع له المقام هنا.
وهنا نتساءل؛ هل ستكون لمُعطيات الوضع الدولي الجديد خلال فترة رئاسة بايدن، وكيفيّات تعامله معها، أثرٌ في بقائه سيّداً للبيت الأبيض، أم سيصبح خارجه، ويذهب كرسيّ الرئاسة إلى ترامب.
حربان كبيرتان شبّتا في أثناء فترة بايدن: وهما حرب روسيا وأوكرانيا منذ أواخر شباط 2022، وحرب غزّة مع الكيان الصهيوني منذ السابع من تشرين الأول الماضي.
بالنسبة للحرب الأولى، فإنَّ التقارير الخبريَّة تورد تصريحاتٍ لمسؤولين أميركيين بأنَّ غياب الدعم الأميركي لكييف، سوف يعاضد تحقيق روسيا انتصاراً على أوكرانيا خلال بضعة شهورٍ على أقصى حد.
حيث لن تتمكّن الأخيرة من الصمود أمام الدّب الروسي، إذا ما فشلت الإدارة الأميركية في إقناع مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون بتقديم حزمة مساعداتٍ إلى كييف.
وذكرت شبكة “أن بي سي” الأميركية، أنَّهُ بحسب تصريحات لمسؤولين على أعلى مستوى “نقص المساعدات سيتردّد صداه في جميع أنحاء العالم، وقد يدفع الدول الأخرى التي تعتمد على الولايات المتحدة، بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية، إلى إعادة التفكير في تحالفاتها”.
الأمر الذي يَعدُّه المراقبون بأنَّ إدارة بايدن أهدتِ الكرملين نصراً مُحقّقاً على أوكرانيا، ما يؤثّر سلباً على حظوظ بايدن بالبقاء في البيت الأبيض لولايةٍ ثانية.
وهنا نذكر أنّ ترامب الجمهوري يساند مجلس النواب في عدم إقرار حزمة المساعدات إلى كييف.
وتذكر تحليلات المراقبين بأنَّ بوتين متحمِّسٌ لعودة ترامب، فهو “الصديق القديم”، فقد كان الأخير يتَّبع سياسةً صارمةً مع حلفائه الأوروبيين، وأنَّه في فترة رئاسته “أضعف الاتّحاد الأوروبي وخلخل صلابة حلف الناتو” الأمر الذي ينعكس إيجاباً بالنسبة للجانب الروسي.
واذا ما أتينا على حرب غزّة، فقد فشل بايدن في إجبار نتنياهو على التخفيف من تطرّفه إزاء الفلسطينيين، والذهاب بعيداً في مجازر الإبادة الجماعية للمدنيّين، كما أنَّ بينهما خلافاً في مسألة الاعتراف بدولةٍ فلسطينيةٍ والذهاب إلى حلِّ الدولتين.
في هذه المسألة، يُشار إلى أنَّ ترامب أيضاً لا يؤمن بهذا الحل.
من هنا يبدو أنَّ الدعم الثابت الكيان الصهيوني يُعدُّ قضيّةً استراتيجيةً في السياسة الأميركيّة، مهما تغيَّر الرؤساء، مع الاشارة إلى أنَّ ترامب، كدليلٍ على هذا الثابت الاستراتيجي، قام بنقل مقرّ السفارة الأميركية إلى القدس.
وهذا يعني أنَّ كليهما، لن يتحمَّس الناخبون العرب والمسلمون الأميركيون في الاقتراع لهما.
وإلى هذا، فأنَّ فوز ترامب، رُبّما لن تكون له مردوداتٌ إيجابيّةٌ بشأن قضيّة السرق الأوسط الرئيسة، التي لن تُحلَّ إلاّ بالاعتراف بدولةٍ فلسطينيّة.
عدا ذلك، فإنَّ الغريمين يشتركان في أمورٍ عدَّة، منها التقدّم في العمر وزلّات اللسان، وإذا كان بايدن أصبح شهيراً بزلّاته، فإنَّ منافسة ترامب الجمهورية نيكي هيلي شكَّكت بقدراته، بأن يكون رئيساً لأميركا من جديد، بسبب زلاّته أيضاً.
وبغروره الواضح أيّام كان سيّداً للبيت الأبيض، دعا ترامب إلى إجراء اختباراتٍ لقياس الإدراك لجميع المرشّحين للرئاسة.
إزاء التقارير التي تشير إلى خرف بايدن واحتمالات إقالته بسببها، حيث أعلنت نائبته كامالا هاريس عن قدرتها على إدارة البلاد في الفترة المتبقيّة لغاية الانتخابات، وإزاء الدعاوى القضائية التي تلاحق ترامب” وفي القلب منها التحقيق الفيدرالي بشأن دوره في الهجوم على الكابيتول”.
خطورة هذا التحقيق ماثلةٌ في أنَّ الدستور الأميركي، بحسب خبراء، يمنع الذين أقسموا على التمسّك بهذا الدستور، وانخرطوا في تمرد، من توليّ مناصب عامة.
إزاء كلِّ ما ذكرناه، هل يعني أن الطريق إلى البيت الأبيض ممهَّدةٌ لمرشّحٍ ثالث، يتبيّن عندما تنتهي الانتخابات التمهيديّة لكلا الحزبين، رُبَّما، كلُّ المفاجآت واردةٌ في عالم السياسة.