حروب القوى العظمى في الشرق الأوسط

آراء 2024/02/29
...

محمد حسن الساعدي

الحروب الفاشلة في العراق وأفغانستان وما عملته بدعوى(الربيع العربي)، والذي لم يحقق شيئاً سوى زيادة العداء لواشنطن، وازدياد الأصوات الداعية لضرورة إخراج كل القوات الاجنبية، وتحديداً الأمريكية منها من الشرق الاوسط، لذلك تبلور توافق داخل الدوائر الرسمية في واشنطن وبشقيها (الديمقراطي والجمهوري)، باتجاه إخراج القوات الامريكية والحد التدريجي من الوجود العسكري فيها واستبداله بالاستثمار السياسي والاقتصادي، ليكون بديلاً عن نفوذها فيها.
المحور الآخر كالصين وروسيا وكوريا الشمالية يدفع باتجاه تطوير علاقاته التجارية والاقتصادية وفق مبدأ ستراتيجي يعتمد على الطلب المتزايد على استيراد الطاقة مع بلدان الشرق الاوسط وشمال أفريقيا، والذي أتاح لهذه البلدان النفوذ الواسع فيه، كما أن تراجع النفوذ الامريكي في المنطقة أتاح لهذه الدول العودة للشرق الاوسط بعد غياب، خصوصاً روسيا التي غابت عن المشهد في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي بداية التسعينيات من القرن الماضي، ما اتاح لواشنطن الدخول بعد أحداث عام 1991 وحرب الكويت، وما تلاها من أحداث 11 سبتمبر وغزو العراق وأفغانستان، والذي سبب استنزاف هائل لقدرات الولايات المتحدة العسكرية والسياسية، والتأثير السلبي على صورتها في عموم العالم العربي والاسلامي.
توقف التراجع العسكري الامريكي بعد الحرب (الروسية- الاوكرانية) 2022، وأعادت واشنطن فكرة تواجدها بقوة، واحتياجها إلى الحلفاء في المنطقة للسيطرة على الطاقة وأسعارها، أو لحشد الاصوات والتأييد الدولي لمواقفها ومواقف القوى الغربية لمواجهة روسيا والصين، أو لمنع تمدد نفوذها وقطع العلاقة في ما بينهم وبين إيران والخليج.
إن الكيفية التي سيتطور فيها الصراع في غزة ستكون له آثار سلبية على الاقتصاد العالمي، والذي يعاني فعلاً من الصدمات، إذ إن سلسلة من الأحداث الكارثية، قد تمتد إلى الخليج نفسه والتي يمكنها أن تؤدي إلى الصراع بين القوى العظمى، إضافة إلى أن الانظمة في المنطقة، ممكن لها أن تتزعزع على أثر الغضب الشعبي، بسبب فشلها في إدارة هذا الصراع، ومحاولة تخفيف حدته أو مساعدة مدينة غزة المحاصرة.
الحرب المفروضة على غزة 2023 وكلفتها الانسانية والاقتصادية الباهظة، بالاضافة إلى تداعياتها السياسية والامنية على المنطقة، ويبدو من خلال تسارع الاحداث أنه بات بعيد المنال، وبالقراءة الواضحة لمجريات الأحداث في فلسطين وعموم المنطقة، بالإضافة إلى أحداث البحر الأحمر، والتي جاءت لتعيد واشنطن إلى خانة التدخل المباشر في المنطقة مرة أخرى، وإعادة هيمنتها وتوظيف كل قدراتها ومواردها، من أجل دعم الكيان الاسرائيلي، ومحاولة تقويض أي تحرك لمنافسيها في المنطقة، وإيجاد أرضية مناسبة لاستكمال الدمج الاقليمي لتل أبيب بالتطبيع فيها وبين دول المنطقة.