الانتفاضة الشعبانيَّة.. ربيعُ العراق المبكَّر

آراء 2024/03/05
...

 د. صادق كاظم

تشير الروايات غير الرسمية، والمتناقلة في حينها إلى قيام جندي غاضب كان من ضمن القوات المنسحبة من الكويت بإطلاق النار على إحدى جداريات الطاغية صدام في محافظة البصرة، ليشعل هذا الجندي الغاضب فتيل انتفاضة شعبية شكلت انعطافة مهمة في تاريخ العراق الحديث لم يكتب لها في وقتها النجاح بعد محاولات لم تستمر سوى شهر واحد، حيث كانت الانتفاضة تعبيرا عن مشاعر غاضبة وساخطة على سياسات نظام مستبد ظل يدمن صناعة الحروب والأزمات في المنطقة،

انطلاقا من جهل وغباء سياسي وعدم وجود قراءة صحيحة للوضع والتوازنات الدولية في المنطقة، فضلا عن سياسات قمعية وبوليسية داخلية ذهب ضحيتها مئات الآلاف من الضحايا. كان النظام البعثي الإجرامي السابق ذا طبيعة اجرامية وفاشية لم يعمل على تطوير البلاد ورفاهيتها واسعاد شعبها، بل أسس لنفسه ومنذ مجيئه إلى السلطة عبر انقلاب مدعوم أمريكيا نظاما قمعيا غاية في القساوة والبشاعة، استهله بتشييد السجون والزنازين وانشاء الاجهزة الامنية والجيوش العسكرية الخاصة، إذ تحول العراق نتيجة لذلك إلى دولة منغلقة على نفسها رافقه إهدار مخيف لموارد البترول على تلك المنظومات الأمنية، والعمل أيضا على عسكرة المجتمع وتهديم النسيج الاجتماعي المبهر للبلاد وتخريبه. كان القيام بغزو الكويت وتجاهل القرارات الدولية والنداءات والوساطات لإعلان الانسحاب، وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل آب من العام 1990 وتعريض البلاد إلى اقسى عقوبات دولية استمرت لاحقا لأكثر من 13 عاما واحدا من بين الأسباب التي أشعلت الانتفاضة وأدت إلى خروج المواطنين المحتجين على سوء الأوضاع، وما آلت إليه، خصوصا أن البلاد لم تكد تشفى من جراح الحرب مع ايران بعد. جاءت الانتفاضة التي شملت اغلب مساحات العراق، بضمنها العاصمة بغداد لتعلن وتؤكد رفض الشعب العراقي لهذا النظام القمعي والرغبة في إقامة نظام بديل يكون اكثر عدالة واتزانا ومحافظة على البلاد وشعبها بعيدا عن القمع والحروب ورغبة في التحرر من هذا النظام القمعي الاستبدادي. شكل المنتفضون في المناطق الثائرة جيوشا مسلحة صغيرة، فضلا عن إدارات محلية لحكم المناطق المحررة وتقديم الخدمات إلى الأهالي، ولحفظ النظام فيها، لكن الصفقة التي عقدتها قوات التحالف الدولي مع النظام والتي كان قسما منها داخل الاراضي العراقية في مناطق قريبة من مدينتي السماوة والناصرية، حين رفعت الحصار عن 6 فرق تابعة للحرس الجمهوري، التي كانت تعتبر القوة الضاربة للنظام، ولم تكن تعاني هذه الفرق من خسائر ثقيلة تعيقها عن مواصلة القتال، فضلا عن السماح للطيران المروحي بالتحليق في سماء البلاد، قد أسعف النظام وأعطاه الفرصة لأخذ المبادرة والقيام برد فعل انتقامي كان في غاية القساوة والوحشية، حين استثمر النظام هذا الفائض في القوة لتدمير المدن الثائرة وارتكاب اعمال الابادة الجماعية بحق سكانها، حيث قام النظام بإعدام أكثر من ربع مليون مواطن عراقي قتلوا بدم بارد، فضلا عن الزج باكثر من 50 الف منهم في سجون القصور الرئاسية في الرضوانية، تمت تصفيتهم لاحقا وعلى دفعات. لم يراجع النظام أخطاءه ولم يعترف بها، بل اعتبر هذه الانتفاضة على أنها مؤامرة اجنبية مدعومة من الخارج وأن الشعب يوالي النظام، وهو امر معتاد من قبل الأنظمة القمعية، التي تحاول شرعنة أعمالها الاستبدادية وإلقاء اللوم على عاتق الآخرين، من خلال افتراض وجود مؤامرات أجنبية خارجية مناهضة لها تلقي باللوم عليها، وتتناسى أن أعمالها القمعية والوحشية ومغامراتها الفاشلة هي السبب وراء ذلك.