زيد الحلي
من على شاشة التلفاز، أشاهد بين مدة وأخرى، مهرجانات ضخمة تقيمها بلدان عديدة تهتم بتعدد ثقافات شعوبها، يقدم فيها كل شيء .. من الألعاب الشعبية، إلى الإزياء والغناء والرقصات وأشهر الاكلات، وكل ما يخطر على بال.. مهرجانات كأنها لوحة فارهة الجمال، لعالم جميل، في مساحات أرض خضراء مناسبة، وبينما انا مستمتع بمشاهدة ذلك، تساءلت مع نفسي، ترى لماذا لم نفكر بمهرجان، يمثل التلون العراقي المعروف، من العرب والكرد والتركمان والآثوريين والارمن والصابئة المندائيين، والايزديين والشبك، وغيرهم؟ وهي تشكيلة موزائيك جميلة جدا، فيها من تنوع الغناء والرقصات والملابس واصناف الطعام، ما يثير الدهشة والفرح.. تجمعهم رقعة ارض في يوم ربيعي ببغداد، يحدد موقعها في متنزه الزوراء أو أبي نؤاس أو جزيرة بغداد، ندعو اليه السفراء واعضاء السلك الدبلوماسي، أو نتوسع بدعوة ضيوف من الخارج، للاطلاع على هذا التنوع الجميل في الخارطة العراقية، ولا سيما الرقصات الشعبية المتداولة حتى هذا اليوم في العراق، كرقصة "الجوبي" بأنواعها، (يؤديها الجنسان بنحو مختلط كل من الكرد، والارمن، والآثوريين، والإيزيديين، والتركمان، والكلدان، وغيرهم) ويؤديها العرب بالرجال فقط، ورقصة (الساس) العربية، ورقصة "الهجع" و"الدبكه" البدوية.. الخ .
إننا نحيا في ظرف مجتمعي أقرب إلى الإطلاق منه إلى التحديد، والى الانسجام معنى بأكثر من الانسجام مع اللفظ والتنظير، ولا شك أن هذا الظرف، يبحث عن مخاطبي العقل لا عن من يستسهل الخطابات، الموجهة لمجموعة واحدة، وعقل واحد، فمحبة العراق، ووحدته، لا تكونان فكرة، إلا حين يكون الإيمان بها اصيلاً، بكل ما يحمله لفظ الإيمان من قناعة داخلية، فالكلام والخطب المكررة البعيدة عن الاحساس المجتمعي، تصبح تجارة "سياسية"، وليس هناك أقسى من تجارة السياسة، التي تخرج بالناس عن محاور حياتهم، إلى حياة من محاور متنافرة.
إن دعوتي إلى القيام بفعالية شعبية، بعيدة عن التلون السياسي، تمثل أطياف الشعب العراقي، تفضي إلى اتساع الروح والاخوة، والتماسك والألفة بين أبناء الوطن الواحد.. فهل تتداعى وزارة الثقافة، إلى الشروع والقيام بهذا المهرجان، لا سيما أننا على مقربة من أعياد الربيع.