شيزوفرينيا اجتماعيَّة وثقافيَّة

آراء 2024/03/07
...







 رؤى زهير شكر 


 يشهد الأسبوع الأول من آذار كل عامٍ احتفالاتٍ ومؤتمرات ومهرجانات وندوات باستضافة لأسماء فنية وإعلامية عدة، وفي صباح الثامن من آذار تستعر حمى المنشورات -على مواقع التواصل الاجتماعي - المهنئة بعيد المرأة العالمي فيما تتداول مانشيتات الصحف المحلية وعواجل المحطات الإخبارية تهاني ومباركات من الرئاسات الثلاث وقادة الكُتل السياسية.. 

في الوقت الذي غابت صرخات اللواتي قتلن تحت لافتات كثيرة كجرائم الشرف، عن تلك المانشيتات والعواجل.. فحياة المرأة العراقية منذ نعومة أظفارها، رهن سكين العشيرة، كون سُلطة القبيلة اكثر حِدة واقضى من سُلطة القانون ومن ثمَّ فصوت المرأة في وسط العراق وجنوبه أكثر قُربا للكبت والصمت إزاء القانون العراقي الأكثر ضُعفا أمام قانون العشيرة بقضاياها كقضية غسل العار وغيرها.

هذا العام يطرأ على عيد المرأة تغيير يُعد كبيرا من حيث القيمة السياسية، فقبيل انتهاء شهر شباط الماضي جرت التهيئة لانعقاد المجلس الأعلى للمرأة الذي تشكل برئاسة وزيرة المالية السيدة طيف سامي - وفقا للأمر الديواني المرقم 231035 في 15 كانون الأول 2022 - التي أكدت أن المجلس يأخذ على عاتقه تمكين المرأة العراقية من أداء دورها السياسي والاقتصادي والثقافي في المجتمع وتقديم الدعم والرعاية لها وإيقاف التمييز ضدها، ويعزز من مساهمتها في التنمية المستدامة، إلى جانب نشر ثقافة حماية المرأة وتنميتها بشكل أفضل ومشاركتها في مقترحات المشروعات والخطط التنموية، وتعريف الجهات الوطنية والإقليمية والدولية بالتضحيات التي قدمتها المرأة العراقية خلال السنوات الماضية.

من يقرأ ويتابع تبريكات عيد المرأة ومؤتمراته وندواته يرى الواقع المؤسساتي ورديا ويمنح المرأة بطاقةً لولوج عالم، ملؤه المساواة والإنصاف والعدالة القيمية والاجتماعية، غير أن معظم الكلمات التي تُقال وتُلقى بحق المرأة وعيدها ابتعدت عن كل البُعد عن مسألة تعنيف المرأة المؤسساتي والاجتماعي، لم ولن نجد بيانا أو كلمةً تتطرق للحديث عن بيانات انتحار النسوة والشابات المتعرضات للضغط العائلي والمعيشي، لا بيان يذكر الأرامل والثكالى، ولم يتم انصافهن حتى بيومهن الوحيد، اما العاملات في تقاطعات الشوارع واللائي يتم استغلالهن جسديا وجنسيا لم نر لهن عيدا يُذكر!

اما الحديث عن الموظفات وهنا يحتاج أن نعرض تفاصيل كثيرة نطلع على حجم الاستعباد الوظيفي والاضطهاد الذي يعشنه، لم يتطرق أحد إلى الظُلم الذي يتعرضن له، ولم يرَ اي مسؤولٍ مدى الأذى الذي يتكبدنه، فالتعنيف الوظيفي الذي قد يصل حد التهميش أو العقوبات الإدارية، قد اخذ مأخذا لا نهاية له في اغلب دوائر الدولة ومؤسساتها، فالتعنيف الوظيفي حاضر، لأجل مبدأ وضمير أو لأجل تعارض الأيديولوجي لمسؤولي الدوائر والمؤسسات العراقية وهو الأشد بشاعة في كل ما قد تمر به المرأة.

بعد ان ترأس رئيس مجلس الوزراء السيد محمد شياع السوداني، السبت، الاجتماع الأول للمجلس الأعلى لشؤون المرأة أوضح أهمية تشكيل المجلس الأعلى لشؤون المرأة، الذي يأتي في سياق تأكيد الالتزام بالبرنامج الحكومي والعمل لخدمة أبناء الشعب العراقي، ولاسيما المرأة؛ وذلك لمكانتها الاعتبارية في المجتمع، وانطلاقا من هذا المبدأ ندعو السيد رئيس مجلس الوزراء لوضع الحلول الجذرية اللازمة لإنهاء مسألة التمييز الوظيفي، وانهاء مبدأ التحاصص الحزبي في دوائر الدولة لما له من سلبيات تجعل من المرأة العاملة في دوائر الدولة هامشيا لا أساسيا.. 

في يوم الثامن من آذار تكون منصات التواصل الاجتماعي حلبة تبارز لكلمات الادباء ومنشورات المثقفين تزهر بها حديقة الأحلام أكثر فأكثر، إلا أن الواقع الثقافي العراقي ومؤسساته النقابيّة لا يختلف كثيرا عن الواقع السياسي، إن لم يكن اشد سوءا وسوادا، فالفعل الثقافي العراقي قد دخل أيضا وحل التحاصص والتهميش واللامساواة واقتصر على مطبلي السيد والحاكم والرئيس، وفي كل دورة نقابية نرى الفعل الثقافي ينحدر نحو الهاوية ولانملك إلا قول السلام على كلمة الحق حين تُقال وتُفعل.