«ليغاتوم» وأشياء أخرى

آراء 2024/03/11
...

 عبد الزهرة محمد الهنداوي

ظهرت السيدة (ام ت) في تقرير تلفزيوني، أعده مراسل القناة الفضائية في العاصمة بغداد، وهي (تشكي وتبكي) من شظف العيش وسوء وضع عائلتها المنسية، في ظل ظروف صعبة يواجهونها في حياتهم اليومية، من خلال قيامها وزوجها بنبش الازبال لجمع (القواطي) العلب وبيعها! واذ ما سألها المراسل، ألم تحصلوا على راتب الحماية الاجتماعية؟ أنكرت السيدة، وبكت بحرقة!.

علّق مقدّم البرنامج، معاتبا وزارة العمل، لعدم اهتمامها بمثل هذه الحالات المأساوية.

في اليوم التالي كشفت هيأة الحماية الاجتماعية، ان السيدة (ام ت) تتقاضى راتب الرعاية منذ 15 عاما! وأكثر من ذلك أن ابنها هو الاخر استُكملت اجراءات شموله بالرعاية، وقريبا سيبدأ بتسلّم الراتب!

كانت حلقة البرنامج تناقش تصنيف معهد ليغاتوم البريطاني للبلدان وفقا لمؤشر الرخاء والازدهار، وقد وضع العراق بالمركز الـ(140) عالميا، من اصل (167) دولة مشمولة بالتصنيف المذكور، وبالمركز الـ(15) عربيا، وقد سبقت العراق دول عربية مثل (الجزائر وتونس ولبنان ومصر وجيبوتي وجزر القمر.

ضيف البرنامج، بدأ حديثه بانفعال مُفتعل! راسما مشهدا مأساويا للحياة في العراق، مستندا إلى حالة (ام ت)! وحين تستمع إلى حديثه، ينتابك شعور بالرعب!

تصنيف معهد ليغاتوم، يعتمد عدة معايير، يصنّف على اساسها البلدان في مجال الرخاء أو الازدهار، منها جودة الاقتصاد، وسهولة ممارسة الاعمال، والامن والامان، والرعاية الصحية، والبطالة والدخل والتعليم، وبيئة الاعمال، والحوكمة، والحريات الشخصية.

وقي كل هذه المعايير توجد لدينا مشكلات ربما تكون بنيوية، ولكن، من قال إن لبنان مثلا أو جيبوتي، وجزر القمر، فيها مستوى الرخاء والازدهار في المعايير المذكورة، أفضل من العراق؟! في وقت يعاني بعضها من انهيار اقتصادي، وبعضها يواجه مستويات حادّة من الفقر، واخرى تواجه تحديات شديدة التعقيد، لا تمنحها قصب السبق على العراق، وهنا يبدو أن الكثير من التقارير والتصنيفات التي تصدر عن بعض المعاهد ومراكز البحوث والدراسات، تعتمد في دراساتها على قصص وروايات على غرار قصة (ام ت)، وثمة الكثيرون، لديهم الاستعداد العالي لرسم صورة سوداء، قاتمة، لواقع الحال، من دون ترك ولو كوّة صغيرة، لتسريب القليل من الاشعة.!!

 لو أخذنا جانب دخل المواطن العراقي لوجدنا الكثير من التغيير الايجابي حدث خلال السنوات الماضية، وهناك نحو 60 ترليون دينار تُوزع سنويا على سبيل الرواتب والاجور، ففي العراق حوالي (4) ملايين موظف، واكثر من مليوني متقاعد، وهناك مليونا أسرة تتقاضى راتب الحماية الاجتماعية بعد حملة التنقيب الواسعة، وغير المسبوقة التي قامت بها وزارة العمل وهيأة الرعاية الاجتماعية، للوصول إلى كل مَن هم بحاجة إلى الحماية والرعاية.

وبعملية حسابية بسيطة (حساب عرب)، يتضح أن هناك أكثر من (40) مليون عراقي، يحصلون على دخل شهري من الموازنة العامة للدولة، وهذا الرقم محسوب على اساس معدل عدد افراد الاسرة الذي يتراوح بين (5- 6) أفراد.

اما بقية العوامل أو المفاصل التي تحدث عنها معهد (ليغاتوم)، ففيها الكثير من الحديث والتفاصيل، وهناك خطط ودراسات أخذت بنظر الاعتبار المشكلات البنيوية في جميع المفاصل، ووضعت لها الحلول والمعالجات، وبدأت آثار التعافي تظهر في الآفاق، مع الإشارة إلى أن الظروف التي مر بها العراق، كانت استثنائية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، في المقابل نحتاج إلى رسم صورة حقيقية للمشهد، تسلط الضوء على النجاحات وتشخيص الاخفاقات، ففي كل صباح تشرق الشمس بنهار جديد.