حفلة تخرج سجناء

الصفحة الاخيرة 2024/03/11
...

عبد الهادي مهودر



ليس لي ولأقراني ذكريات من يوم التخرّج سوى صورة تذكاريَّة جماعيَّة تحت لافتة كلية الآداب، حين كانت كلية الإعلام قسماً من أقسام الكليّة في بناية الباب المعظم، قبل انتقالها الى مقرها في منطقة الجادريّة، مع جلسة (سندويچات) سريعة في نادي الكلية جُمع ثمنها على الرؤوس لمقتضيات الحال والجيوب الفارغة، ولكن المحبة والتواصل بقيا يحكمان العلاقة بزملاء الدراسة والصحافة على الرغم من الاختلاف الوظيفي والتباعد المكاني، فالغائب لا يغيبُ ويبقى القريبُ الحبيبُ، كما تقول الشاعرة العراقية المعروفة ميادة الحنّاوي، حسب إجابة متسابق في برنامج تلفزيوني، والتخرّج من الجامعة بعد أربع سنوات جميلة هو لحظة وداع لا تخلو من الحزن على فراق الأحبة الذين قد لا نراهم في زحمة الحياة والعمل، لكن أحداً ما قد عبث بالإعدادات وحوّل لحظة الفراق الى حفلة عرس صاخبة، وجاء اليوم الذي صدمتنا فيه حفلات التخرّج الجامعيَّة التي يظهر فيها الطلاب والطالبات كالمشمولين فجأةً بقرار تبييض السجون، وكأنَّ حبل المشنقة كان قاب قوسين أو أدنى وجاءتهم البشرى بالعفو العام عن المساجين، ومن حق السجناء أن يمزّقوا ثيابهم ويخرجوا من الثياب والآداب في هذه اللحظة السعيدة، لكننا لم نشاهد في يوم من الأيام (خرّيج سجون) يرقص بهذا الشكل المجنون، مع أن إطلاق السراح وشمّ نسيم الحريَّة لا يلام عليه السجين لو رقص بمستوى الراقصين في حفلات التخرّج الجامعيَّة هذه الأيام، التي خرجت عن العقل والعقال، والعجب كل العجب بأن يرقص خريجو الجامعات ولا يرقص خريجو السجون المحرومون من الحرية، واللوم في هذه الحالة لا يقع على إدارات الجامعات وإنّما يقع على إدارات السجون التي لا تسمح بتنظيم مثل هذه الاحتفالات التي تناسب الفرحة بإطلاق السراح، ولو كانت بالصراخ والرقص المنفلت الخارج 

عن الآداب!.

صحيحٌ أنَّ جامعات أخرى نظّمت حفلات تخرّج راقية تحفظ للجامعة سمعتها ومستواها ورقّيها، لكن النصف الآخر من الكأس لا يخلو أيضاً من الملاحظات والمبالغة من دون الدخول بتفاصيل الملاحظات والمبالغات، فجميع الحفلات خارجة عن إطارها الطبيعي، وما زاد عن حدّه اِنقلب الى ضدّه، ونحن لا نكتشف الذرّة فهذه الحفلات الجامعيَّة علنيَّة ومعروفة والمبالغة بها أثارت علامات استغراب واستهجان، وأضيفت إلى الظواهر المنفلتة، ولا نناشد الوزارة فهي تدري، ولا ندعو معالي وزير التعليم العالي والبحث العلمي لأنّه استهجنها علناً، ولا نستخرج مقترحات من باطن الأرض، وغاية ما نراه مناسباً لفرحة أحبتنا الخريجين هو حصر حفلات التخرّج بحدود الجامعات وحدود اللياقة والآداب، وبين الأحباب لا تسقط الآداب، والسلام.