جليل الكردي

الصفحة الاخيرة 2024/03/12
...

مفيد عباس

كثيرة هي مواهب البشر ومتنوعة، منها مواهب عامَّة ومعروفة لدى الجميع، كالمواهب الفنيَّة والرياضيَّة والعلميَّة بمختلف أقسامها وأنواعها وتفاصيلها، كلها معروفة ومسجلة، ومنها مواهب نادرة وغير مشهورة، أو بالأحرى، هي غير معترفٍ بها كموهبة، وإنما تندرجُ ضمنَ الحالات الفسلجيَّة الشاذة، كالقدرة على تحريك صيوان الاذن، أو فروة الرأس أو الكتابة بالقدم مع وجود اليدين.
أكو ناس عدها إمكانيَّة الكلام بدون تحريك الشفاه، ويطلع الصوت كأنَّه قادمٌ من بعيدٍ جداً، مع العلم أنَّه يمشي وياك أو يقف بجانبك، وحتى أقرب الصورة للذين لم تمر عليهم تلك الموهبة، راح أضرب مثل: آني أمشي ويه طه، وطه هذا صديق قديم ما أدري وين صار بي الدهر، طه يمتلك هاي الموهبة، واحنه نمشي آني وياه، يگول (مفيييد) بدون أنْ يحرك شفايفه، آني رأساً انشمر، وافر راسي ليورا أشوف منو يصيح عليه، لأنَّ الصوت كأنَّه قادمٌ من مسافة بعيدة.
جليل الكردي، هو من الجيل الأكبر، إذا تشوفه ، كأنك أمام مدير عام، شخصيَّة متزنة وهادئة، لكنْ يمتلك هذه الموهبة، ويستخدمها بأوقاتٍ غريبة.
بالسبعينيات، مات أبو فاضل، وفاضل هو صديق جليل الكردي، خلوا الجنازة على سيباية المارسيدس ام الثمنطعش راكب، وطلعوا للنجف بالليل، جليل راح وياهم، وفاضل بقى حتى من الصبح يرتب الأمور وينصب الجادر، وراحوا للنجف وية الجنّازة اخوته الاصغر منه.
الطريق بالثمنطعش راكب يصير أربع ساعات من مدينة الحريَّة للنجف، والناس تعبانة، والدنيا ليل.. وشتا.. وجامات السيارة مسدودة، ناموا، جليل اختار مقعد خلف السائق مباشرةً فأخذ دوره مستخدماً موهبته رغم أنهم في الطريق لدفن أبي صديقه:
يا سايق، ياسايق، اخويَّة ابو السيارة، آني عدل مو ميت.
السايق ضرب بريك عالسريع ووگف السيارة، وظل يفرك بعيونه، ويباوع بالمراية الخلفيَّة، وجليل مسوي روحه نايم حاله حال الناس، وگام يستغفر الله، من وگفت السيارة، اكو چم واحد صحا:
خير.. ليش وگفت؟
- لا.. ماكو شي
شغل السيارة وطلع، ورا نص ساعة أعاد جليل الكرَّة: يا سايق، يا سايق، آني عدل مو ميت!
وبريك لاخ ووگفت السيارة، الركاب: أشو هم وگفت؟
- أريد أصعد أشوف الحبل، خاف راخي، لأن حسيت التابوت يتحرك (شيريد يگول؟ خاف الناس تگول عليه مخبل)
صعد فوگ، وفتح التابوت، وشافه للمرحوم ملفلف بالچفن، ولا حس ولا نفس، بس هم ظل الفار يلعب بعبه، من وصلوا للنجف، وقبل ميوصلون المقبرة، نزل، وصاح واحد من ولد المرحوم، عامر، وگله بالسالفة، الولد ميعرف شيسوي، راح يدور على تلفون أرضي حتى يخابر أخوه فاضل الجبير.
- اگلك فاضل، هذا السايق هيجي وهيجي يگول، شسوي هسه آني؟
فاضل: جليل الكردي رايح وياكم؟
عامر: أي موجود
- ادفنوه وخطيتكم برگبتي.