المناصب والمحاصصة العشائريَّة

آراء 2024/03/18
...

  باسم محمد حبيب

تشهد بعض المدن في محافظة ذي قار وعدد من المحافظات الجنوبية الأخرى هذه الأيام، صراعات ومواجهات عشائرية، تتسبب بإزهاق الكثير من الأرواح، فضلا عما تخلفه من خسائر مادية وأضرار نفسية وإجتماعية، إذ تتسبب عوامل عدة في نشوب هذه الصراعات والمواجهات يأتي على رأسها ما يجري هذه الأيام من تنافس عن المناصب، في ظل رغبة كل عشيرة في أن تكون لها حصة ثابتة منها في محاكات عشائرية لنظام المحاصصة المتبع في النظام السياسي، إذ لا يقتصر التأثير السلبي لهذه الظاهرة على ما تنتجه من توترات وتناحرات عشائرية خطيرة، بل وعلى ما تخلفه من تأثيرات اجتماعية واقتصادية مختلفة، أخطرها عودة الروح للطابع العشائري واستفحال العصبية القبلية، وتحول المدن إلى كنتونات تحكمها السنن و الأعراف العشائرية.
وسواء أكان هذا الأمر الذي بات يتصاعد باضطراد يجري بتحريك من جهات حكومية أو سياسية معينة، أو أنه أمر مرتبط بالواقع الاجتماعي نفسه فإن الحكومة والقوى السياسية، ستكون مسؤولة عن ما ينتج عن ذلك من صراعات وخلخلة للنسيج الإجتماعي وإضعاف لسلطة القانون وصعود النزعة القبلية وانتشار فوضى السلاح، لأنه ليست هناك جهة يمكنها أن تتعامل بفاعلية مع هذه الظاهرة الخطيرة غير الدولة نفسها، التي تمتلك الأدوات التي تمكنها من تحقيق ذلك، وأهمها رفع قدرات جهات تطبيق القانون، ومنحها صلاحيات أوسع في تنفيذ واجباتها القانونية، فضلا عن السعي لتأهيل هذه المنطقة أقتصاديا وخدميا وترفيهيا لتوفير الأرضية اللازمة، لتطبيق القانون وجعل فرضه أمرا سهلا وسلسا.
ولكي تتحقق الفاعلية من أي خطوات في هذا الاتجاه، لا بد من أن يواكب ذلك حراك ثقافي واسع لتثقيف الناس بمخاطر هذه الظاهرة، وما يجب فعله لإضعافها ومحاصرتها، وعد ذلك ضرورة أساسية لبلوغ الاستقرار والحياة الآمنة الكريمة، فضلا عن كونه تكليفا وطنيا، لا بد لكل مواطن أن يسهم به من أجل حاضره ومستقبله ومستقبل أجياله القادمة، فكل شيء مرهون بالفعل الوعي السليم والعمل الفاعل والجدي للخلاص من هذه الظاهرة الخطيرة، التي أن تفشت أكثر فلن يكون إخمادها بالأمر السهل، فالثقافة بأشكالها المختلفة: الأعلام الفن الأدب.. إلخ هي أفضل سبيل لدعم هذه العملية وتبريرها وبيان أهميتها للمجتمع، ولا بد من الإستعانة بها في بداية المسار ووسطه وخاتمته لكي نحقق المأمول.
إنها دعوة لتؤدي الدولة واجباتها المنصوص عليها دستوريا في تخليص المجتمع من العصبيات والتناحرات، التي تهدد نسيجه وتضعف ما بين أفراده من أواصر وتعطل مسيرة التقدم والبناء وتخلخل الواقع السياسي والاجتماعي، فيما يجب على النخب المختلفة أن تكون عونا للدولة في تحقيق هذا الأمر، من خلال القيام بالتثقيف الواعي والممارسة المباشرة للفعل الصحيح المعاكس لهذه الظاهرة، فليس أفضل من التثقيف سوى التعامل المخلص الواعي القادر على أن يكون مثالا يحتذى به من الآخرين، وأمرا يحرص الآخرين على
تقليده.