العنف والمجتمع

آراء 2024/03/19
...

 د. صادق كاظم


كان منظرا صادما،حين تم مؤخرا تناول وتداول مقطع مصور على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر فيه اشخاص مسلحون وعلى طريقة رجال العصابات يتبادلون اطلاق النار فيما بينهم وسط الشارع في احد احياء العاصمة بغداد، حيث ظهر هؤلاء المسلحون غير مبالين أو عابئين بالآخرين بأن يتسبب رصاصهم بمقتل احد وهو ما حصل فعلا وبالرغم من ان وزارة الداخلية قد تحركت والقت القبض على الجناة الا ان ذلك المشهد سيبقى عالقا في الذاكرة وشاهدا على ماذا يمكن ان يفعله السلاح المنفلت من عواقب خطيرة على المجتمع. هذه الجريمة وما سبقتها من جرائم عنف مسلح قتل فيها العديد من الأشخاص، تشير إلى أن ظاهرة العنف والاستقواء بالسلاح والعشائر والمظلات السياسية والحزبية وغيرها اخذة بالتنامي وبدات تشكل حيزا كبيرا في مسار حياة المجتمع العراقي، اذ لم يفكر الجناة بعواقب افعالهم، بل بدوا غير مكترثين بذلك. من المؤكد ان وجود انظمة وتشريعات فاعلة واجهزة قضائية مقتدرة وحازمة يمكن أن تشكل مانعا أو حاجزا امام ظاهرة تفشي العنف الدموي في المجتمع والذي باتت تغذيه وفرة السلاح وانحدار وتراجع الذوق والمستوى الاجتماعي والقيمي والمعرفي والتمرد على القانون والنظام، حيث اخذت تتسلل قيم وعادات لم تكن موجودة من قبل بدات تسهم في خلخلة بنية المجتمع التي باتت تخضع إلى ضغوطات لا يمكن الاستهانة بها أو التقليل من شانها كالمخدرات والبطالة وانتشار السلاح وضعف القانون. بالتاكيد ان القضاء يمثل حائط الصد المتين امام هذه الخروقات وهناك حاجة إلى ماسة لتغيير ومراجعة معظم القوانين النافذة حاليا، والتي صدرت في الماضي قبل عشرات السنين، اذ إن الحاجة باتت ملحة لصدور تشريعات تعاقب بشدة منتهكي القانون وخصوصا تجار المخدرات والبشر والاعضاء البشرية والنصب والاحتيال والخطف وغيرها، فضلا عن كشف وجوه المجرمين عند عرضها في وسائل الاعلام، حيث اننا لا نفهم سر الاصرار على محاباة المجرمين المتورطين من خلال اخفاء وجوهم واسماءهم عند عرضها، بينما يفترض ان يعلن عنها وبشكل صريح لغرض كشف جرائمهم ومعرفة المجتمع بها ولكي تبقى تلك الجرائم ماثلة للعيان.

إن الوعي الاجتماعي الرفيع وارتفاع المستوى الثقافي مع وجود اجهزة امنية وقضائية نزيهمة وكفوءة من الممكن أن تكون رادعا قويا بالضد من هذه السلوكيات الاجرامية التي ترغب باشاعة الفوضى وانهيار القيم والاخلاق لكي تعتاش عليها وتستفيد منها في ادامة واستمرار سلوكياتها الضارة. بالتاكيد أن السلوكيات تتغير بدورها مع مرور الزمن وتخضع لتأثيراتها، لكن ذلك ليس مبررا لكي ينزلق المجتمع إلى الفوضى والقبول بأعمال العنف وإشهار السلاح، وممارسة جرائم القتل في وضح النار وعلى طريقة عصابات المافيا الايطالية.

إن توفير المناخات الاجواء الصالحة لظهور اجيال متعلمة ومثقفة متسلحة بالوعي والضمير والشعور بالمسؤولية تجاه بلدها، من خلال التزامها بالنظام والقانون وابتعادها عن كل ما يسيء إلى محيطها الاجتماعي، فضلا عن السعي الجاد باتجاه تمدين المجتمع والحد من مظاهر التريف في المدن، من الخطوات التي تعد مطلوبة وأساسية، لغرض إعادة تشكيل الوعي الاجتماعي باتجاه نبذ العنف وتحصين المجتمع والايمان بان القانون وحده هو من يحمي المجتمع وليست فوضى السلاح والدم. لقد وضع الباحث العراقي باقر ياسين كتابا عن تاريخ العنف الدموي في المجتمع العراقي، من خلال صور تاريخية حافلة بالمآسي والفواجع وشلالات الدم والعنف والإرهاب، الذي خيَّم على البلاد وشعبها منذ أكثر من 6 آلاف سنة، مع طرح تصورات لكيفية نزع فتيل العنف الذي ينفجر ويخمد تبعا للظروف.