الأبوذيّة وطور المحمداوي

ثقافة 2024/03/20
...

  ريسان الخزعلي

الأبوذية، لون من الشعر الشعبي العراقي، رباعي الشكل، وعلى الرغم من أن بعض الاضافات الشكلية قد تلحق به، إلا أن الرباعي هو الشائع والأعم. وحين يغنى هذا الشعر يطلق على طريقة غنائه تسمية الطور، وهيَ تسمية خاصة بغناء الأبوذية، ولا يصح أن تطلق على أي لون غنائي آخر.

فالطور شيء والنغم والمقام شيئان آخران رغم العلاقة الموسيقية حيث المسار اللحني.
الطور، طريقة أداء ارتبطت نشوءاً وتسميةً بالمكان أو الأشخاص أو القبيلة، ومن الأطوار ما زال حيّاً وبعضها الآخر اندثر، ويمكن إدراج هذه الأطوار على هذا النحو: الشطراوي، المجرّاوي، اللامي، المحمداوي، الحيّاوي، العنيسي، البحراني، القزويني، الأميري، الزايري، الملّائي، العيّاش، المحبوب، الطويرجاوي، الجادري، النوري، الصبّي، الطريحي، الغافلي، العراكَي، الحليوي، الصنداكَي، السويطي، المشموم، الحميدي، الجبهاني، المنصوري، الشرقي، الشطّيت، الشجِي، الملّاحي، النديم، المراني...، ولبعض هذه الاطوار تفرعات وتسميات ترتبط بإسلوب الإداء، الذي يجترحه المغني أو المطرب.
طور المحمداوي، وقد جاءت تسميته نسبةً إلى عشيرة ( آل بو محمد) في ميسان، وهوَ من ابتكارهم واختصاصهم وإجادتهم، يمتاز بالشجن والحزن الشديدين، نتيجة التأثير النفسي الناجم عن معاناة الحياة الريفية المرتبطة بطبيعة البيئة ومرحلة الإقطاع، وإسلوب العيش والطقوس الاجتماعية الصارمة وما يتبعها من حرمان متنوّع.
يُغنّى هذا الطور بأنماط وطرائق مختلفة منها: سَر َه المحمداوي، المحمداوي الواجف، المحمداوي الطرح، الساعدية، ويُلحق بها الموّال المحمداوي. ولكل من هذه الطرائق مرجعية في أسباب التسمية الإضافية.
من أشهر المطربين في اداء هذه الانماط قديماً وحديثاً ( محمود اليسر، جويسم، سيد فالح، سيد محمد، سلمان المنكوب، عبادي العماري، فرج وهّاب، حليحل المحمداوي، جويني، مدلل عامر، سيد جليل، أولاد سرحان، نسيم عودة، عبد الزهرة مناتي، شهيد كريم، داخل حسن، مجيد الفراتي، عبد محمد، سعدي البياتي، داود زيدان، جواد وادي، عبد الواحد جمعة، جلوب الدراجي، هويدي محبوب، عودة فاضل، رياض احمد، يونس العبودي، فيصل سيد محمد، حسين سعيدة، شيحان بنيان وغيرهم.
وطور المحمداوي يُغنّى من نغم الصبا على الأعم، عدا طور الساعدية الذي يبدأ من درجة النوى (صول) من سلّم مقام البيّات المبني على درجة الحسيني. وهنا تجدر الإشارة إلى كتاب (المغنون الريفيون واطوار الابوذية العراقية)، للمؤلف المعروف ثامر عبد الحسن العامري، كونه المرجع الأهم في دراسة الاطوار عموماً، وطور المحمداوي بخاصّة، وقد كان مرجعي في هذه
الإشارت.
إنَّ الغناء الريفي، ومنه غناء طور المحمداوي، يُشكّل ركيزة عالية من ركائز الأغنية العراقية بعد إضافة المقام العراقي والغناء البدوي لها، وكم كان هذا الغناء يحظى باهتمام طبقات اجتماعية، ليس على مستوى الريف فحسب، وإنما على مستوى المدينة ايضاً ؟ إلّا أنَّ تمدين الريف المتنامي وانحساره كمركز انتاجي مستقر، إضافة إلى عوامل أُخرى، أضعف هذا الغناء كثيراً، وقلَّ مطربوه ومتابعوه، كما قلَّ الاهتمام الراعي له، وأخذت الاغنية السريعة الساذجة (كلاماً ولحناً وإداءً) كامل مدياتها من الحضور في الإذاعات والفضائيات بلا رقابة فنية، وتراجع الوعي الموسيغنائي عند المؤدين الجاهزين.
إلّا أن َّ نداء الغناء الريفي ومنه طور المحمداوي، ليس من السهل أن يكون صدىً لماض ٍ ليس بعيداً عن الذاكرة والذائقة العراقيتين، وانَّ للتراث حضوراً
مستمراً في وجدان الانسان العراقي.