الـ{تيك توك} العجيب

الصفحة الاخيرة 2024/03/24
...

محمد غازي الأخرس

هكذا جرى الأمر، لسنتين أو ثلاث ظللت أمانع نفسي وأتجنب الدخول إلى منصة الـ"تيك توك"، معتقداً أنه تطبيق وجد للشباب فقط، ومن الصعب على من هم في عمري التأقلم معه أو الإفادة منه.
ثم في نهار ما، قبل سنة تقريباً، وسوس في إذني شيطان الفضول فقلت: فلأجرب فتح حساب، فإن كان الأمر "تافها" هربت منه، وإن رأيته مفيداً أو ممتعاً كان بها.
في الأيام الأولى لم أفهم منطقه، وظللت كذلك لأسابيع حيادياً تجاهه، إلى أن تكشف لي شيئا فشيئاً، وإذا به يعمل مع مستخدميه بمنطق عجيب، منطق تصح عليه فكرة أنه مرآة يرى مستخدمه نفسه فيه، فالمحتوى يأتي كما تريد أنت بالضبط.
ما عليك سوى أن تكبس على أيقونة القلب الأحمر مفضلاً المحتوى الذي يروقك، ثم تترك الأمر يجري كما صممه مؤسسه الصيني "تشانج يي مين".
والمنطق هذا سائد في جميع المواقع، من الفيسبوك إلى أنستغرام ويوتيوب.
لكأن إعجابك بنوع من المحتوى هو طلب ضمني من نظام الـ"تيك توك" بتقديم المزيد من المحتويات التي تنتمي للنوع نفسه.
لهذا، ما إن تكبس مفضلا هذا الفديو حتى تفاجئ بعد حين بامتلاء الصفحة الرئيسية بفديوات من الصنف نفسه.
حينها ستتساءل : عجيب، هل الـ"تيك توك"  هذا جني يقرأ أفكاري ويحضر لي ما أريد؟
والحال إنه كذلك فعلاً، مصمم ليكون خزانة رغباتك القديمة وتفضيلاتك من المقاطع المصورة.
يستبعد ما لا تريده ويقرب ما تفضله، وهو ما دعاني لتوصيفه بأنه يعمل وفق مبدأ: شبيك لبيك، الـ"تيك توك"  بين يديك.
بالمحصلة الأخيرة، في هذا التطبيق، أرى ما أرغب برؤيته فقط، الغناء الجنوبي العراقي يتدافع بالكتفين مع فن الصعيد الساحر، داخل حسن ومسعود وناصر مع الريس حفني ومحمد طه وفن النوبة.
الرقص العراقي المجنون يتزاحم مع الرقص الشرقي والدبكة الشامية، مدرسة قراءة القرآن البغدادية الشجية إلى جانب غناء الدراويش والمتصوفة.
أغاني نجاة الصغيرة ووردة جنباً إلى جنب مع أغاني أبو بكر سالم ونبيل شعيل وفيروز.
قبل فترة مثلا تورطت فكبست على أغنية تونسية أطربتني فإذا بالصفحة الرئيسية تزخر بأغان رائعة، لم أكن أتخيل أن أسمعها يوماً.
بالأحرى، ما يجري في عالم الـ"تيك توك"  الساحر يشبه وجود جزر منفصلة يدور كل منها في فلك خاص، لكن بين هذه الجزر، ثمة جسور غير مرئية تمتد برغبتك، إذ ما إن تعجب بنموذج ينتمي لهذه الجزيرة، حتى يمتد جسر ليصلك بها فتحضر إلى صفحتك لتنضم إلى الجزر الأخرى المستحضرة أصلاً.
من المنطقي، والحالة هذه، أن يتحول الـ"تيك توك"  إلى بستان شخصي فيه ما لذ وطاب بالنسبة لك لا لغيرك. شيء عجيب وممتع،  هذا التيكتوك الذي أسأت به الظن، لقد ظلمتك يا صاحبي.