قصة هنري شوغر الرائعة

ثقافة 2024/03/25
...

علي حمود الحسن
لا متعة تضاهي متعة مشاهدة فيلم للمخرج الأميركي ويس اندرسون (1954) عاما، منذ فيلمه الروائي الاول " ذا رويال تينينبوم" مرورا بـ"فندق بودابست الكبير"، وانتهاء باخر أفلامه "قصة هنري شوغر " (2024 ) لأسباب، منها: تفرد أسلوبه في معالجة حكايات أفلامه، التي يمتزج فيها الواقعي بالخيالي، وكسره لموضوعة "التماهي"، التي يعتمد عليها القص السينمائي، موظفا تقنيات المسرح التي لا يخلو منها فيلما من أفلامه، عدا القلة، لا سيما فيلمه " مدينة الكويكب"(2023)، الذي كان تحية لفن المسرح البليغ، الذي مر عابرا في حمى حملة التسويق الكبرى التي رافقت فيلم "اوبنهايمر".

اقتبس اندرسون رائعة كاتب الاطفال البريطاني الشهير روالد دال " القصة الرائعة لهنري شوغر" التي تحكي قصة المقامر هنري شوغر(بيندكت كامبرباتش) الأربعيني الذي ينعم بالثراء، لكنه بخيل وعاطل عن العمل، يبدد أوقاته بالمقامرة ورفقة اقرانه من الأثرياء، يجد نفسه ضيفا في قصر صديق، ينتابه شعور بالضجر ينسل إلى مكتبة القصر بكتبها المجلدة، التي تراصفت رفوفا من الأرض حتى السقف، بطريقة لا تشجع على القراءة، يلفت انتباهه كتاب صغير يتصفحه، فيجده مذكرات طبيب يتحدث فيها عن رجل سيرك هندي يرى من دون الحاجة إلى عينين، اذ اكتسب هذه الملكة من معلم يوغا، حاول هنري تعلمها، فاحتاج إلى ثلاث سنوات وبضع من العزلة والتمارين الشاقة، ليقرأ " أوراق لعب القمار "من الخلف، فراح يقامر ويربح حتى امتلك الملايين، وعلى غير المتوقع لم يكن سعيدا، ففي نوبة ضجر رمى من شرفة بيته دولارات على السابلة، احس بسعادة وراحة، لكن الشرطي (رالف فانيس) طرق بابه ووبخه بالقول :"اليس جديرا به التبرع بأمواله إلى المستشفيات ودور الايتام، بدلا من تبذيرها بهذه الطريقة المهينة".. وهذا ما فعله شوغر، اذ أسس مؤسسة في سويسرا لإدارة أمواله، وتوزيعها بين من يستحقها، بحياته أو مماته. كعادته التجأ روبنسون إلى سرده الاثير من خلال "مسرحة الاحداث" وتعدد الرواة "العالميين" و"المشاركين" لقصص وحكايات يتبادلون فيها الأدوار، مهشمين الجدار الرابع وقاعدة التماهي، التي ترتكز عليها لعبة المشاهدة، من خلال تداخل القصص والديكورات، التي تشبه لعبة الميكانو بألوانها المشعة البهيجة، التي تُذكَّر بلعب الأطفال الكارتونية، حيث الانزياح في المكان مع ثبات الكاميرا، ولم يكتف بلك انما جعل ابطاله لا يتماهون حتى مع الفسحة القليلة، التي يندمجون فيها مع ادوارهم، اذ نراهم في ذرة الحدث يتوقفون ليشيروا إلى تفصيل صغير، معلقين على الحدث المنهمكين هو فيه، وبملامح جامدة .

جسد رالف فانيس شخصية المؤلف روالد دال، الذي يقص حكاية هنري المقامر الملول، الذي يجد دفتر المذكرات الطبيب تشارنرجي (ديف باتيل)، التي يسرد فيها قصة رجل السيرك الهندي الستيني (بن كينغسلي)، الذي يرى من دون الحاجة إلى عينين، ليعود بنا السارد العليم بملابسه البهيجة إلى هنري شوغر، وهو يمارس تمارين اليوغا للوصول إلى غايته.

الفيلم الذي لا تزيد مدته الزمنية على الاربعين دقيقة، يمر كلحظة لفرط تشويق، ساعد على ذلك الأداء المتمكن لفريق عمل روبنسون من تصوير إلى تمثيل إلى اضاءة ومونتاج ومؤثرات،  ثمة لمحة انسانية غالبا ما يحرص على تجسيدها صاحب " جزيرة الكلاب"، فالبطل شوغر المقامر الحالم بالثروة، يحقق امنيته، لكنه لا يجد السعادة في ذلك، انما وجدها في البذل والعطاء، فكرس حياته وحتى بعد مماته لهذه المهمة النبيلة، وان كان مصدر ثروته القمار.