هل أسهمت الجوائز الأدبيَّة في عكس تحولات الإبداع واتجاهاته؟

ثقافة 2024/03/26
...

  سلام البناي

تُعدُ الجوائز الأدبية مؤشرا على نجاح المنتج الأدبي وتميّزه، مثلما تُشكل حافزا ودافعا للإبداع وبالتعريف بالمنجز وترسيخه في ذاكرة المتلقي، فضلا عن قيمتها المادية.
وتقيم بعض الدول جوائز ذات قيمة كبيرة في أجناس أدبية متنوعة من قبيل القصة، والرواية، والشعر وهذه الجوائز ترعاها وتدعمها حكومات أو مؤسسات ثقافية مستقلة.
وقد أثبت الإبداع العراقي حضوره الدائم وقدرته على التنافس عربيا ودوليا عبر فوز الكثير من الأسماء العراقية بجوائز مهمة محلية وعربية وعالمية.
فكيف ينظر الأديب العراقي لهذه الجوائز؟
وهل أسهمت في عكس تحولات الإبداع واتجاهاته، وفي خلق حراك ثقافي وصناعة "النجم الأدبي"؟
وهل المؤسسات الثقافية العراقية قادرة على خلق منافسة من خلال تأسيس جوائز عربية مهمة توازي أو تتفوق على بعض الجوائز مثل جائزة "كتارا"، والشارقة للإبداع العربي وجائزة البوكر، والرواية العربية، وغيرها ؟
لقد اختلفت وجهات نظر الأدباء والنقاد في تقييم الجوائز الأدبية فالبعض يرى أن غالبيتها تفتقر للمعايير الحقيقية الخاصة بمنحها، وأنها تخضع لحسابات في جوانبها الفنّية والتقنية.
فهل ساهمت الجوائز في خلق إبداع وصناعة نجم أدبي؟
وهل تسهم بعض لجان التحكيم في قتل الابداع لغياب الحيادية؟
وكيف يقيّم الاديب معايير منحها؟  

لجان فاحصة للنصوص
القاص والروائي جاسم عاصي -الفائز بجائزة الابداع النقدي- يؤكد أن "الجوائز تُشكل حافزاً للإبداع، وهو أمر نسبي، لأن الإبداع مرهون بالطاقة المعرفية، وهي عبارة عن جينات تنتقل كما تنتقل الخصائص الذاتية والموضوعية من شخص إلى آخر، ومن جيل إلى جيل يليه".
ويوضح: لكننا والحكم العام نُعلق على الجائزة باعتبارها مقياس، بينما الحقيقة، أنها وفي الأغلب تعمل عوامل كثيرة في صياغتها ومنحها.
وفي هذا أُشير ليس إلى واضعي الفعالية، بل إلى اللجان الفاحصة  للنصوص فهي ترتكز على سياسة خاصة ومزاج خاص؛ وهذا لا يُعمم على جميع الفعاليات طبعاً فأنت تجد نصوصاً حازت على جائزة ما بغير حق إلا لسبب معيّن، وأُخرى لم تفز لنفس السبب فهي معيار لا يُقاس عليه، حين نتحدث عن الإبداع وحوافزه.
 وبخصوص المعايير النقدية لمنح تلك الجوائز ودور لجان التحكيم فيها يرى عاصي أن أغلب المبدعين لا تعنيهم الجوائز ولا يشاركون فيها، لكنهم مستمرين في العطاء منذ أكثر من خمسين عاما، ففي الستينيات من القرن الماضي، كان الإبداع يتركز في العطاء الذاتي، رغم انتفاء فعالية الجوائز والمسابقات  باستثناء جائزة ملحق صحيفة الجمهورية الملوّن والأسبوعي، حيث فاز كل من "محمد خضير في قصة  البطات البحرية، وفاضل عباس هادي في المقالة، فيدور دستويفسكي البطل المنقسم على نفسه، وخضير عبد الأمير".
إذاً الجوائز ليست هي السبب في التحفيز للإبداع، ولا في قتله.  
لكنه في ذات الوقت يجد عاصي أن "المؤسسات الثقافية العراقية قادرة على خلق منافسة وإيجاد جوائز يتنافس عليها العرب هنا في العراق إن حسُنت النيّة. لكنها فعالية متعلقة بسياسة الدولة، وحصراً في وزارة الثقافة التي تنظّم مسابقة الإبداع سنوياً وتشمل كل الأجناس".
ويتابع: سبق لي أن فزت باثنتين منها في الرواية ونص (انزياح الحجاب ما بعد الغياب)  والنقد الفوتوغرافي كتاب (العصا والضوّء)، كذلك مؤسسة (ناجي الساعاتي) وقد فاز الراحل علاء مشذوب وباسم فرات، وكتابي عن دولة الامارات.
لكن هذه الفعاليات لم يكترث لها أقرب المثقفين لنا، وأُذكرك بفعالية اتحاد الُأُدباء في مسابقاته، سواء للأُدباء الشباب أو غيرهم، وقد تم طبع كتبهم على نفقة الاتحاد.
ويؤكد أننا "بحاجة، سواء على صعيد الدولة، ثم المؤسسات عامّة، وإدارات الحكومات المحلية، في اعطاء دور للمثقف والأديب حصراً.
وتفعيل نشاطان من كل نوّع، تلك المتعلقة بالعقل ونتاجه. والحديث يطول يا صاحبي، لكن الايجاز ضروري جداً".

 صناعة نجم
أما القاص علي حسين عبيد - الفائز بجائزة مسابقة الطيب صالح العالمية للكتاب الإبداعية-  فيقول إن "هناك أدّلة تؤكد أن بعض الجوائز الأدبية تُسهم في إثراء المشهد الأدبي العربي، منها على سبيل المثال الكاتب الراحل سعد محمد رحيم التي عُرف عربياً على نطاق واسع بعد فوزه بجائزة (كتارا) ووصول احدى رواياته إلى القائمة القصيرة في جائزة (البوكر) العربية، ووصول مجموعته القصصية إلى القائمة القصيرة في جائزة ملتقى القصة"، وهو مع من يقول إن الجوائز المرموقة تُسهم في صناعة النجم ولكن الأهم هو ثراء وتميز إبداعه، ويظن أن الجائزة يجب أن تكون وسيلة للتعريف بالأدباء بعد فوزهم وليس غاية لهم، ومن حق كل أديب أن يشترك بإبداعاته في الجوائز، ولكن من المستحسن أن لا تكون هاجسا دائما له".  
ويشير عبيد إلى أن المعايير النقدية تختلف باختلاف الجوائز وأساليبها، فهناك جوائز لجانها سرية، وأخرى لجانها معلنة، وهناك مشاركون أسماؤهم مخفية بحسب شروط الجائزة، وفي أخرى تكون الأعمال مطبوعة وتظهر فيها أسماء مبدعيها، ويبقى الأمر عائدا إلى القائمين على الجائزة، فإذا أرادوا لها النجاح والتأثير في الأوساط الأدبية على نحو واسع يجب أن توضع الضوابط والمعايير العادلة والحاسمة، وبعكسه سوف تنحدر الجائزة نحو الموت إذا شعر الأدباء بأن بعض لجانها غير عادلة.
وعن قدرة المؤسسات الثقافية العراقية في ايجاد جوائز يتنافس عليها العرب هنا في العراق مثل جائزة "كتارا"، وجائزة الطيب صالح، وجائزة الشارقة للإبداع العربي وجائزة البوكر، وجائزة الرواية العربية، وغيرها فهو يتفق تقريبا مع رأي الروائي جاسم عاصي، إذ يجد أنه لا توجد إرادة قوية وصادقة في الدولة العراقية حاليا لصناعة جائزة مرموقة عربيا وعالميا داخل العراق باستثناء جائزة الإبداع التي تقيمها وزارة الثقافة سنويا في نطاق العراق فقط، أي أنها جائزة عراقية لا تسمح للأدباء العرب المشاركة فيها، فإذا نظرنا لجائزة الابداع العراقية من منظار داخلي فهي جيدة ويمكن أن تتطور أكثر، أما بخصوص تأسيس وإقامة جائزة عربية في العراق تنافس جوائز "كتارا والطيب صالح والبوكر العربية"، فهو أمر غير وارد الآن، لأن الإرادة السياسية وحتى الثقافية غير متوفرة الآن.

تأصيل الإبداع
ويخالف الروائي علي لفته سعيد – الفائز بجائزة الابداع العراقي للرواية -آراء زملاءه عاصي وعبيد، إذ يرى أن الجوائز لا تعني الإبداع، ولا يعني أن المنتج الفائز قد امتلك خاصية الابداع، وأنه متوجٌ وحيد ومتفرّد، وأن ما أنتج لا يجاريه انتاج آخر.
ويشير في هذا الصدد إلى العديد من العوامل التي تساهم في أن تكون الجائزة معطاة لهذا الإنتاج، وليس لذاك أوّلها المسابقة ذاتها والجهة التي تقيمها ولجنة الحكام التي تقيّم الانتاج الأدبي، فضلا عن الاشياء المخفيّة التي لا أحد يراها لكنها تصبح محسوسة ومكشوفة وتكون بعدها ملموسة من خلال التمسّك بذات المقررات التي يتم وضعها أو الشروط الواجب أتباعها.
ويشير سعيد إلى أنه لو أخذنا أية مسابقة علينا أولا متابعة دول الفائزين ومن ثم عناوين العمل الفائز وقراءة أسماء اللجان التي تكون مطيعة لما تريده الجهة التي تمنح الأموال خاصة تلك التي ترتبط بالحكومات أو دول بعينها".
فضلا عن موقع الاسماء الفائزة في الخارطة الابداعية العربية.
بمعنى  والكلام لسعيد أن الجوائز لا تعني إلا كونها وسيلة للشهرة واسقاط الضوء على المنتج الادبي ومن ثم على من أنتجه كاسمٍ مهمّ تزيد من خلالها المبيعات والترجمات والحضور إلى الملتقيات والمهرجانات.
ويرى أن الجائزة وسيلة للانتباه وليست وسيلة لتأصيل الابداع. لكنه أيضا حقّ مشروع بكل تأكيد ولا أقف ضدها وأكثر الذين ينتقدون الجوائز هم مشاركون فيها.
وعن تقيمه للمعايير النقدية لمنح تلك الجوائز يبيّن الروائي علي لفتة، وهو حاصل على عدّة جوائز محلية وعربية "ألا حيادية في الحياة على الاطلاق فكيف بالأدب الذي يتبع مزاجية ومعرفة وموهبة ودراية ومنهجية وأكاديمية المشارك في لجان التحكيم.. خاصة في الكتب المطبوعة التي تعني أن الاسم موجود".
كاشفا أنه "توقع لمرتين من سيفوز في أحدى المسابقات المحلية من خلال الأسماء المشاركة، إذ أن هناك تأثير إعلامي، فضلا عن تأثير الشروط أو الأشياء المخفية كما ذكرت".
 ويوضح الروائي سعيد أنه "حين تكون الجهة الممولة لها أفكارها الخاصة، فأن اللجان تدرك ذلك فتنتقي النتاج الذي يلائم هذه الأفكار، فضلا عن أن مزاجية المشارك في اللجنة وهواه -إن صح القول- فأن كان يحب الكتابة الكلاسيكية فأن المنتج الحداثوي لن يكون مفيداً والعكس صحيح، وكثيرا ما قرأنا الروايات الفائزة مثلا فوجدنا أنها كتابات لم تقدم الفن، بل قدّمت الحكاية المرتبطة بأفكار الجهة الممولة أو أنها اسقطت أفكارا تدغدغ الجهة الممولة ولنا، حتى في العناوين ما يمكن أن يقال إن المنتج يعرف من أين تؤكل كتف المسابقة.
ويختم منوها إلى أن "المؤسسات الثقافية العراقية غير قادرة على خلق منافسة وهي تخضع بشكل كبير إلى أمزجة القائمين عليها سواء الجهة السياسية، أو اللجان المشاركة في فحص النصوص، فهما جهتان تعيشان الوضع العراقي الراهن بكل متناقضاته، وهو ما يعمي أن التناقض سيكون هو النتيجة".
ويوعز ذلك أيضا إلى كون العراق غير مستقر سياسيا واقتصاديا وحتى  إبداعيا وهذا ينعكس على كل السلوكيات الأخرى بحسب وجهة نظره، ويؤكد أنه "حين يكون هناك استقرار يكون هناك دور لهذه المؤسسات".