هل تعيش مجتمعاتنا في فخاخ المنتصرين؟
صلاح حسن السيلاوي
ما رأيك بما وصلنا من حقائق عبر كتب التاريخ؟ هل نقف عند هذه المدونات أمام صورة صادقة لأحداث محورية شكلت أسساً لاتجاهاتنا الدينية والسياسية والاجتماعية؟ إلى أي مدى وقعت مجتمعاتنا في فخاخ ما كتبه المنتصرون؟ هل ينبئ المستقبل بمحاكمة لصناع الوهم في تواريخنا؟ ألا ترى أن التدوين التاريخي صنع رموزا كثيرة ما زالت قلقة في موازين الحقائق؟ أين نحن، وأين حراكنا المعرفي من كل هذا؟ عن أجوبة لهذه التساؤلات وغيرها بحثت مع نخبة متميزة من مثقفينا عبر هذا الاستطلاع.
أهواء وميول المؤرخين
القاص أحمد محمد الموسوي، يرى أن مجمل كتب التاريخ العربي والإسلامي، لا تنقل الوقائع والأحداث التاريخية مجردة تماماً عن أهواء وميول المؤرخين والكتاب، مشيرا إلى أن انعدام أو شحة أدوات التوثيق التاريخي المتاحة للمؤرخين آنذاك تجعلنا إزاء شك مؤكد بما يردنا عن طريق هذه المدونات، نحتاج معه إلى قلب سلة هذه الكتب وما ورد فيها على طريقة ديكارت للتحقق من مدى مقبوليتها من الناحية العقلية والتأريخية.
ولفت برأيه إلى عدم صحة دراسة كتب التاريخ والتحقق منها، بدون موازاتها بالدراسات الآثارية والأركولوجية ومطابقتها مع نتائجها، مؤكدا على بقاء التاريخ العربي والإسلامي أسيرا للميتافيزيقا الى أن يطلق العنان للمحققين الآثاريين ليدلوا بدلوهم ويبينوا لنا بما يزيح غبار الشك عن مجريات ما حدث في هذا التاريخ.
وأضاف الموسوي بقوله: عاملان مهمان تحكما بالمدونات التاريخية وهيمنا عليها طيلة قرون، هما (المقدس) و(الرواية الشفاهية) الأول أدخل العديد من المدونات في زاوية التابو المسكوت عنه، وهو المسؤول عن الفيتو المرفوع ضد اخضاع التاريخ للدراسات الآثارية والتحقيقات الأركولوجية، والثاني جعل المدونة أسيرة لرغبات وتوجهات وانطباعات الراوي الذي احتكر معرفة الحقيقة ونسبها لذاته من دون أن يكلف نفسه عناء البرهان، وهذان العاملان سهلا كثيراً على (المنتصر)، وهو المهيمن على كتابة التاريخ، مهمة إعادة إنتاج المدونة التاريخية، فمنها ما يُزج بها في زاوية التابو لحمايتها من فأس النقد والتدقيق، ومنها ما يُعلق على ذمة الراوي (العليم)، والمنتصر هو الآمر بهذا في كلا الحالين، فالمغلوب مغلوب على أمره وتاريخه يكتب بقلم عدوه الذي لن ينصفه أبداً.
ومع قتامة هذه الصورة لا أرى أن مجتمعاتنا ستعقد يوماً ما محاكمة لمدونات تاريخية أو مدونين كانوا على الدوام سبباً في نشوب صراعات وحروب وفتن، بل وحتى أنهم كانوا مسؤولين عن التردي الثقافي والتراجع الحضاري الذي أصاب هذه المجتمعات منذ سقوط بغداد على يد التتار وإلى اليوم، والسبب في ذلك يعود إلى أن هذه المدونات بالعموم ارتبطت بالضمير الاجتماعي والعقيدة الدينية والمذهبية لمجتمعاتنا، وهي ان حاكمتها فإنما ستحاكم ضميرها ومعتقداتها، ولذلك ستبقى هذه المدونات على الأرجح فاعلاً عقيدياً وروحياً، وينحسر تأثيرها مستقبلاً في الحياة المادية شيئاً فشيئاً مع اتساع رقعة التعليم وزيادة نسبة المتعلمين في المجتمع، والمثال على ذلك نستطيع أن نتلمسه في العديد من المعتقدات والخرافات، التي زالت من حياتنا المادية تدريجياً مع بقائها ضمن المدونات راسخة في الملعب الاجتماعي من دون أن تحصل على بطاقة حمراء.
وعيٌّ زائفٌ وذاكرةٌ معطوبة
الشاعر علي نوير، يجد في إجابته على تساؤلاتي أنها مشروعة تشظّت عن بؤرةٍ واحدة، يراها تتمركز حول سؤال جوهري مفاده: هل ما وصلَنا من كتب التاريخ يمثّل الحقيقة التي نأمل؟
ثم يجيب بقوله: شخصيّاً، ومعي فيما أظنّ كثيرون هنا، نعتقد أن ليس من المنطق أن نحتكم الى تاريخ مُفخّخ ومُؤدلَج ومُختلَف عليه، كتبه أشخاص عاديّون، وربما غير عاديّين، إلّا أنّهم جميعاً كانوا خاضعين لاشتراطات الحقبة التي عاشوها، ومُحاصرين بأوامر ونواهي الطبقة الحاكمة وإملاءاتها، وما يزيد الأمر تعقيداً هو أنّ ما وصلنا مدوّناً من أخبار وأحاديث ونصوص كان نقلاً عن مشافهات حقبة أقدم قد طال أمدها، حتى بلغ نحو قرنين هجريّين زاخرين بالأحداث الجسام أسّست لنا وعياً زائفاً وذاكرة معطوبة، إلّا أنها، على الرغم من كلّ ما تقدّم، حدّدت لنا القواعد العامّة المتعارف عليها في السلوك والأخلاق والتفكير، بل والتصورات حول كلّ صغيرة وكبيرة، وفي ما نحبّ وما نكره.
ولأنّها أصبحت بعد قرون معتقداتٍ قارّة وفاعلة وعصيّة على المراجعة النقدية المتسائلة فمن الممكن القول إنّ ما حدث يمثّل في حقيقته فخّاً حضاريّاً وقعت فيه الأمّة كلّها، ومازالت الى الآن تدفع ضريبة ذلك من ضعفٍ وهوان وتخلّف على كلّ الصعد، ويُنذر بما هو أسوأ إن بقيت حالة السبات هذه في الوعي والتفكير دون مراجعة حقيقية لهذه المسيرة المُلتبسة والطويلة، وذلك لتحرير إرادتنا في التغيير، ومحاكمة صنّاع الوهم الذين أفسدوا علينا حياتنا في الماضي والحاضر، ورفع الهالة عمّن كنّا نعتقدهم رموزاً وإعادتهم الى أحجامهم الطبيعية إن كانت لهم أحجاما أصلاً.
وأضاف نوير متسائلا: فهل سيتاح لنا ذلك في المدى المنظور؟
وإذا تمّ لنا ذلك فهل ثمّة خوف يهدّد هويتنا كشعب وكأمّة؟.
وهل هويتنا هذه، في واقعها الآن، تشكّل ثقلاً ما بين الهويات الأخرى في هذا العالم؟.
إنّ الأوهام التي وقعنا في شِراكها عبر تاريخنا الطويل لم تخلق لنا سوى هويّات هجينة وبعضها مزيّفة ووهميّة، وجعلت منّا ذواتٍ موهومة تعتاش على بطولات زائفة لأبطال وهميين ألقت بظلالها على واقعنا المُتشظّي بفعل الحروب العبثية، وهدر الثروات والتدخلات الأجنبية وتمكين سفلة القاع من الوصول الى القيادة وجعل حاضرنا ومستقبلنا رهينة لمصالحهم، وألاعيبهم ونزواتهم.
وما يطفو على السطح الآن من تشوّهات في الروح والوجدان ما هو إلّا نتيجة طبيعية لكلّ ما مرّ بنا من نكوص في الوعي وخلل في طريقة التفكير.
وكي نكون مُنصفين في قراءة الواقع لابدّ من القول أنّ ثمّة إرادات حرّة، على ندرتها، ما زالت تعمل ومنذ عقود في إضاءة هذا النفق، نفق تصوراتنا الخاطئة ومعتقداتنا وأوهامنا وعقدنا الكبيرة.
ولكن (كم قرناً يكفي كي تشرق ثانيةً شمس الأوطان؟
كم قرناً يكفي كي نغسل أرواحاً يعلوها الصدأ الآن؟)*
الكلمات الأخيرة ما بين قوسين من قصيدتي (نوح بلا طوفان).
صناعة السرديات الكبرى
الناقد الدكتور عمار الياسري، يرى أن ما وصلنا من حقائق عبر كتب التاريخ والمرويات الشفاهيّة أسهم في صناعة سرديات كبرى مثل العقل والنظام والأخلاق، التي كانت بمثابة محركات مهيمنة للوعي البشريّ على وفق متطلبات سلطويّة شرعنتها سرديات الدين والأخلاق والقبيلة من أجل تمرير خطابها السلطويّ المركزي الساعي إلى تدجين السلوك الجمعي ضمن بنية خطابها ولو على حساب حقيقة الموجود تجاه الوجود عبر بثوثات مفارقة للواقع المعيش وقتذاك.
وأضاف الياسري قائلا: وقد وقعت المجتمعات تحت سيطرة واضعي تلك الحقائق بوصفهم مداد السلطويّة التي تمسك بقبضة الوعي البشريّ مما جعل المعرفة تشهد أنزياحًا علميًا كبيرًا عن الحقيقة الصادحة نحو المدونات التي شيعها المنتصر عبر مقولاته الشفاهيّة أو التدوينيّة، مما جعل هذه المقولات تصدر رموزًا سلطويّة مهيمنة، إذ إن السرديات الكبرى شيدتها الرمزيّة المتعاليّة، التي تمسك بتلابيب الوعي الجمعيّ مما يجعلها تنتقل من السلطويّة القمعية إلى السلطويّة الروحية التي تعتمل في وجدان المجتمعات المسيرة، وقد ولدت هذه الرموز جينات وراثية تنتقل من جيل إلى آخر بسبب الروافد الفكريّة المتسربة عبر الأجيال لكن هذا لم يمنع من ظهور خطاب حجاجيّ يقوض السرديات الكبرى، التي نسجتها السلطات السياسيّة والدينيّة والاجتماعيّة، فالحجاجيّة وقتها ساهمت في تفكيك الصورة المهيمنة التي تحاول تعطيل أسئلة الفلسفة تجاه الوجود والموجود مما أسهم في تشكيل فعل مضاد قبالة الفعل المركزي المهيمن، ومع البثوثات المعرفيّة لفلاسفة ما بعد الحداثة، أصبح الفعل المضاد بنية مهيمنة في مقولاتها الساعيّة إلى أفول السرديات الكبرى وتحطيم أصنامها، ولم تخل المدونات المعرفية المعاصرة من قراءات مفارقة للنصوص السلطوية، فخطابات ما بعد الكولونياليّة أعادت قراءة خطابات السلطويّة الاستعماريّة بما فيها الاستعماريّة الداخليّة، فحينما يستعمر ابن جلدتك وعيك المعرفي تتشكل الاستعماريّة الداخليّة، ودراسات التاريخانيّة الجديدة أعادت قراءة المقدس على وفق مفاهيم معاصرة أسهمت في ظهور خطاب معرفي معاصر ينأى بنفسه عن هيمنة السرديات الكبرى ودراسات ما بعد النسويّة هشمت الموروث الاجتماعيّ المتوارث، الذي جعل من خطابات النسويّة أقل من خطابات الذكورة التي فرضت عليها وصايا الأديان والقوانين والمؤسسات ولكن تحتاج الدراسات التقويضيّة إلى حراك مجتمعي من أجل إشاعة طروحاتها المغايرة.
رصاصة الرحمة على الماضي
الشاعر نبيل نعمة، يعتقد بإجابته أن كل مشكلات العرب مصدرها التاريخ، لافتا إلى أن أي قراءة لهذا التاريخ لابد لها أن تتم بروحية علمية بعيدة عن ضغوطات السياسة والأديان والقوميات، ليتم الحصول على نتائج مطابقة أو مقاربة للواقع.
وأضاف مبينا: الحضارة يصنعها الزمن، والزمن هنا يعني الحقيقة التي يخجل كثير من أن يتبنى معطياتها في عصرنا الذي هيمن فيه رأس المال على قوّتنا، لدرجة لم يعد فيها للفرد من خيارات يتحكم بها غير المخيال والأوهام.
علينا أن نطلق رصاصة الرحمة على الماضي، كي ننقذ ما تبقى من المستقبل، علينا أن نواجه التاريخ الفتاك الذي ذكرته الكتب كثيرا وصار ايقونة للخذلان، لا أن نجمله لأولادنا الآتين... مشاكلنا في أغلبها تعود للحكايا والسرديات غير المؤرشفة أو المكتوبة.
ماض دام ومظلم وظالم لا يترك فسحة للنسيان كي نتفرغ للمستقبل طاوين تفاصيل مراحل لن تخدم الّا السلطة والمتنعمين في أتباعها.
هموم جسيمة تتحملها مؤسسات معنية بالثقافة، خمولها وعدم كفاءتها أدخلنا في هاوية الزمن، وجعلنا عرضة للأكاذيب والخرافات.
أي شخصية معاصرة سياسية أو اجتماعية أو ثقافية هي بالضرورة مختلف متنازع عليها، فكيف لو فصلتنا سنوات عن شخصيات وأحداث؟
هذه المشكلات ليست وليدة اليوم، كما أنها ليست وليدة مجتمع أو دولة دون سواها، نجحت أغلب المجتمعات في تجاوزها وتخطتها ثم تفرغت للحاضر، نحن نحتاج للمستقبل اليوم أكثر من حاجتنا للماضي، فلا ماض لمن ليس له حاضر، وليس العكس، هكذا يجب أن نعلم أطفالنا عندما يحشرنا الماضي في الجحيم.
إشكاليات المرويَّات التاريخيَّة
الناقد عبد علي حسن، لا يشك بأن لكل أمة أو جماعة بشرية تنتظمها هوية واحدة وتاريخ مشترك ولغة مشتركة مجموعة من المرويات تحيط بكل مامرت به تلك الأمة من وقائع وأحداث وتشكّل لرموزها الأثيرة على مدى الحقب والحلقات، التي تسهم بمجموعها في تكوين تأريخ هذه الأمة والجماعة عبر آلية انتقال متواتر لتلك المرويات، ولكن الإشكالية الكبيرة التي تواجه هذه المرويات وكذلك أفراد الجماعة - حسب حسن - هي مدى مصداقية تلك المرويات وابتعادها عن التزييف المحتكم لمصالح الراوي الذي عادة ما يكون متعدّداً، لأن ثمة مواقف لاحقة ستعتمد على قرب تلك المرويات من الحقائق بمعنى توفر إمكانية إعادة قراءة ذلك التاريخ قراءة واعية تضع نصب عينها مستقبل الأمة، الذي بالضرورة يقام على الحقائق التي تم تثبيتها في حلقات اجتماعية سابقة.
فقد شغلت المرويات التأريخية - التي أحاطت بمجريات الوقائع والأحداث والسير الذاتية والجمعية التي مر بها المجتمع العربي والإسلامي تأويلاً واضافة وحجباً وفق أهواء ومصالح الرواة - موقعا مهماً في مكونات صندوق المخيال الجمعي المتواتر والمتراكم، على الرغم من وجود حلقات منقطعة أو مفقودة في عملية التواصل الجمعي عبر الحقب والأزمان التي مرّ بها المجتمع، فشكلت هذه المرويات مشروعاً ثقافيا وفّر إمكانية إعادة قراءته قراءة موضوعية، إذ أن تلك المرويات قد اتخذت طابع الخلاف الدوغمائي، الذي يتقاطع مع الاختلاف المشروع نتيجة ادعاء هذا الطرف بامتلاك الحقيقة وحده دون الأطراف الأخرى، وبذا فقد ساد العنف والازدراء والاقصاء لفرض وجهات النظر بين الأطراف.
وقال حسن موضحا: لقد خضعت المرويات التأريخية المكتوبة منها والشفاهية إلى أهواء ومصالح رواتها عبر تأويلها، وهذا يعني أنها ليست حيادية أو موضوعية في روايتها ونقلها للوقائع والأحداث، وإذا أخذنا بنظرالاعتبار أن عصر التدوين قد بدأ في القرن الثاني الهجري، فإن كل ما روي قبل هذا التأريخ إنما هو نقل وروي شفاهي بما في ذلك السيرة النبوية، وقطعا فإن تلك المرويات الشفاهية والمكتوبة في ما بعد قد كانت تحمل التوجه الأيديولوجي والسياسي لهذا الطرف أو ذاك وبما يحقق مصالح تلك الأطراف، حتى لاحظنا أن هنالك أكثر من رواية تخص حدثا واحدا وربما حصل اختلاق لعدد من المرويات التي لم تحصل أساسا، ولا يتوقف الأمر عند حدود المرويات التأريخية العربية وانما يتجاوز ذلك إلى ماتعرضت له الوقائع والحوادث من تزييف واختلاق في أغلب المرويات للمجتمعات الإنسانية الأخرى، ولعل مانحن فيه من التخبط في ضبط مروياتنا التأريخية التي شكلت جزءًا من المخيال الجمعي، هو نتيجة لعدم الاتفاق الموضوعي على هذه الرواية أو تلك، وعلى الرغم من تصدي بعض المفكرين لهذا التخبط عبر محاولاتهم لتنقية المرويات مما علق بها من فواعل الإقصاء والتزييف والاحتكام إلى تفعيل الموجه العقلي في عملية إعادة قراءة تاريخ الأمة إلّا أن هذه المحاولات قد جوبهت بالرفض وتكفير العديد منهم كما حصل مع الراحل نصر حامد ابو زيد ومحمد أركون ومحمد عابد الجابري وسواهم من المفكرين في المشرق العربي ومغربه، الذين تبنوا مشروع تنقية وقراءة المرويات الفقهية والتاريخية قراءة جديدة محايثة لحالة تحديث التراث والتاريخ، وماتشهده ساحة الفقه وروايات الوقائع والأحداث من عشوائية ودوغماتية في الوقت الراهن إلّا بسبب من انحيازية هذا الطرف أو ذاك وفق مصالح أيديولوجية وسياسية وسلفية بحاجة إلى غربلة تضع المجتمع الإسلامي والعربي في طريق التحديث الحضاري لتقديم مساهمة إنسانية مؤثرة.
ما يكتبه المنهزمون
الشاعر الدكتور عماد الحيدري قال: لعلي لا أبالغ إذا قلت بأن الحقيقة الوحيدة التي علينا الإيمان بوجودها هي حقيقة الله "جل وعلا" بوصفه خالقًا لهذا الوجود ومهيمنًا على مجرياته ومعبودًا لا مناص من وجوده وإلا فإن أغلب ما يتعلق بالتاريخ وما وقع بين أيدينا من أحداث إنما هي وقائع مؤسطرة تحكمت أيادي العبيد ووعاظ السلاطين بتضخيمها أو تضعيفها خدمةً لأهداف أهمها إرضاء الأسياد.
وعلى هذا فإن من الواجب علينا التصدي والوقوف أمام كل تلك المنقولات وقفةً جادة تستند إلى الوعي والتجرد عن كل الخلفيات الثقافية والانتماءات الايديولوجية والعقائدية بحيث تكون لنا كلمة وموقف لتقويم الاعوجاج الواضح والمبالغات الجسيمة التي ليست من الحقائق العلمية في شيء.
صحيح أننا واقعون - بوصفنا عاطفيين - تحت سطوة مؤثرات كبرى أهمها اللغة والبلاغة والأساليب ومديات تأثيرها في النفوس على مر الأجيال وتعاقبها لكنه وبمجرد الانصياع للتجرد ستنجلي عنا غمائم الأحداث المفصلية وتتضح الأمور على حقيقتها.
قديمًا قالوا بأن التاريخ يكتبه المنتصرون، ولكن هذا لا يعني أن المنهزمين لم يدونوا شيئًا عن هزائمهم وعن مقدار الظلم، الذي لحق بهم أو على الأقل أسباب هزيمتهم بكثير من المبالغة أو بقليل منها لأغراض استدرار العاطفة أو كسب الرأي العام لجانبهم، وهنا سيقع القارئ بين فكي كماشة كلاهما يريد جره إلى صفه ما لم يكن متسلحًا بالوعي والتجرد.
وقال الحيدري مضيفا: لا أظن أن المستقبل القريب سينبئ عن محاكمة لصناع الوهم في تاريخنا لأنهم كانوا أذكى من أن يجعلوا في صناعتهم ثغرات يتسلل منها من يجنح إلى محاكمتهم، كما لا أظن أننا وصلنا إلى مرحلة متقدمة من الوعي بحيث نمتلك الجرأة على هكذا محاكمة.
لو لم يجد مؤلفو كتب التاريخ أرضًا خصبةً وسوقًا رائجة لتمرير غاياتهم ومخططاتهم لما سوًقوا لنا مئات الرموز والأبطال الوهميين من الذين نتحدث عنهم ونتغنى ببطولاتهم في مجالسنا لنظل نعيش على أمجادهم من دون أن نحرك ساكنًا لإحداث التغيير المنشود في واقعنا نحو الغد الأفضل.
الحراك في هذا السياق لن يكون مجديًا ما لم يكن منزوع الأجندة والغايات الضيقة، منفتحًا نحو الأهداف العظيمة السامية.
أخبار اليوم
كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني تشيد بالتحول الإيجابي الذي تشهده شبكة الإعلام
2024/11/25 الثانية والثالثة