خضير الزيدي
كل من وقف أمام منحوتات سميرة حبيب، أخذته دهشة الأشكال، وعمل تنظيمها ومعالجات أحجامها.
سواء جاءت ضمن منحنيات أو أنصاف دوائر، أو أشكال تجريدية.
وهي مليئة بطابع التشابك والتمازج في الأوضاع.
وإذا قدر لهذه الفنانة أن تتحمل مشاق النحت وتواجه صعوبات انجازه فقد تعين على مخيلتها الابتعاد عن منجز فني مستهلك، وبات غير مرتهن إلى التجديد.
لهذا سعت منذ زمن بعيد وهي في حالات اقرب للابتعاد عن التنافس أن تنجز أعمالا مهمة من حيث طابعها البنائي، وتحقق لنا نحن محبيها أن نشاهد منحوتاتها وهي في علاقات شكلية معقدة توفر للمتلقي مجالات من التأمل والبحث في أدق تفاصيل البناء المتكامل للأشكال التنظيمية في العمل ولعناصره.
وبدت لنا منحوتاتها وكأنها متلازمة شكلية تكافئ عبر جماليات التكور وقدرة أساليب الصياغة وأجمل ما في منجزها الفني اعطاء فكرة الجسد الادمي بعيدا عن اغوائه، فالموضوع ليس مبتعدا عن وجود وفكرة الأنسان ولا غريبا، لكنه ذات ذائقة بنائية مليئة بالعاطفة.
وهنا تحسب النظرة في المعالجات الشكلية وفقا لعنصري الجذب في جوانب الفعل الحسي والعاطفي، لهذا سنجد مادة عمل خالصة القوام والملمس وهي تتخذ عبر صياغاتها أشكالا مغايرة.
فكيف يمكن تذوق طبيعة هذا الاختلاف في عامل النحت لدى هذه الفنانة؟
تلفت انتباهنا هذه النحاتة إلى قدرتها في تحقيق التوازن وتوزيع الكتل والحجوم، وهذه المهارة جاءت من خلال الاهتمام بالمبادئ التنظيمية لطريقة عملها في الاشتغال النحتي، ومثلما معرف لدى الجميع بأن عناصر العمل النحتي تنهض على وفق أسس منها (الفكرة/ أساليب الصياغة/ الشكل, وهذا الأخير يبدأ بالسطوح والملمس واللون والكتل والفراغات والوحدة والتنوع) وكل ذلك انبنى ضمن علاقات متساوية تثير فينا الاهتمام من خلال شكل التكوين الأخير.
سميرة حبيب تؤكد على أمرين منفصلين الأول ما يتدفق من رشاقة وتصور بنائي لمنحوتاتها, وثانيا تكوين فكرة شاملة للعمل يتوجب أن تحتوي على أدق الملاحظات التي تبعث على الاهتمام بالإنسان.
لهذا تخوض منحوتاتها غمار التجريب في بعد دلالي وجمالي.
وسيكون أمامنا خيار التوقف عند بنية الشكل حتى لو اسلمنا في غرابته وعدم قابليته للتداول فالفكرة قائمة ومحافظ عليها من جهة التأويل، لكن البناء والتأسيس له يشير إلى رحلة استكشاف تحتاج لتأمل ومعرفة بالطريقة التي تفكر بها هذه الفنانة وتبتكر على وفقه تصورها انجاز عملها فنيا وجماليا.
وعلى هذا الأساس ثمة تقارب روحي تفرضه لوازم العمل كيف يحدث كل ذلك وفق هذه التعارض بين الشكل والمحتوى؟
إنها لعبة مكونات ومجازفة لبناء منظومة معقدة تأتي وفقا لحساب هيمنة المعتقد الجمالي التي تسعى اليه هذه النحاتة أولا يبدأ من نطاق التداخل في الشكل الواحد ومن نزعته في التعارض والتجانس كوحدة مشتركة يضاف له كيفية معرفة حقائق المدلول, وكل ذلك يتوج بعمل نحتي مرهون بالإرادة الحرة والسعي لإنجاز مزيد من المقاربات التجريدية الخالصة في روح المنحوتة.
هل أعمالها عصية على الفهم؟
يمكن أن يطرح هذا التساؤل لمن يقف للوهلة الأولى أمام منحوتاتها المتنوعة، فهي تسعى لطرح بناء شكلي غريب، لكنه لا يخلو من جوهر الخطاب الجمالي.
وهذه حقيقة تدوي أمام مسامعنا حينما نتحدث عن بواعث جماليات التكوين النحتي لديها.
إننا ندرك حساسية فطرة النحت، ولكننا نستغرب بالمقابل من تعقيدات الشكل، ولكن الذي يحدث هنا أنها تولي وجهتها نحو متخيل بنائي وجمالي خاص له أحكام ذوق وطروحات هامة في عالم الفن، ومنه عالم النحت.
وقد تكون المراجعة المتواصلة والقراءة المتأنية لرؤية أعمالها كفيلة في أن تمدنا باستكشافات متواصلة لما يتحقق على يد هذه الفنانة المثابرة.