خضير الزيدي
تعكس تجربة الفنان الثمانيني حيان عبد الجبار نوعا من الألفة مع المتلقي، وهي بهذا الجانب ترتبط بالوجدان ولا تحبذ الانفصام عن عوالم منابعها، لأن الألفة التي نشير لها جاءت ضمن اهتمام هذا الفنان وبضرب من الفن التعبيري الذي يستلزم خطاب الإنسان وثنائية الرجل/ المرأة لدرجة اننا لا نستبعد أن تكون مجمل أعماله ذات طابع بنائي ينخرط في خصوصية هذه الثنائية، وكلما أمعنا النظر عميقا في منجزه الجمالي سيدفعنا التأمل لاكتشاف نزعة العقل واستمرارية أغراض الفن في تحقيق أهداف لها علاقة بالمحيط الاجتماعي والإنساني. إنها علاقة جدل تمنحنا عبر التصوير الفني ما يستلزم فهم العامل الموضوعي في لوحاته وقد تكون تلك الأعمال في تجانس وتقابل معين استجابة لطبيعة الاستقبال الذي يبتغيه حيان عبد الجبار جراء تنامي الاحساس والافراط فيه بنوع من تقابل (المرأة والرجل) في العمل الواحد.
وهنا لابد من تتبع مشروعه ورؤيته اتجاه ما ينجزه فهو يتعقب تحولات العلاقة بين الاثنين وفقا للتكيف والاستجابات بينهما، ويعطينا في قوة عمله الفني تمثيلا لمقومات لا تبدو جامدة عبر وسائل اتصالها الجمالي. فنجد تشوهات في العين والوجه واليد لكي ينسجم طابع الجمال بفقدان مميزات مختلفة تعيد لأذهان المتلقي قيم المنظومة التعليمية والتربوية والجمالية وفقا لقراءة الاشكال الجديدة. إنه نوع من الاعتقاد بأن الفن مكمّل لوجهة إنسانية تفقد من جوانبها جزءا لينتج بعد رؤية العمل ما يعزز معايير السلوك
الإنساني.
نحن هنا باتجاه فن يتعاطى مع المختلف من التعبير ليكون التأمل العميق محددا لمعالم التصور الجمالي والذهني عند المتلقي، ولكن ما الذي ستؤول اليه هذه الرؤية في نهاية الامر؟
يقدم حيان عبد الجبار على المستوى الجمالي نماذج فنية راقية من حيث الرؤية التعبيرية ويفعّل ذلك بتصور خاص لمعايير وبناء يتجرد من الخصومة مع الذات. وحتى يتابع الامر بنجاح وخطى ثابتة سيكون الجذر أو الاصول التي ينتمي اليها ذات قاعدة أو اساس محدد أمام المتلقي، وهو التغني بآدمية الإنسان والسعي لتقديم صورة حية عن التعامل الإنساني السليم، وربما نحسب لهذا الاعتقاد صورة تمرد وانعتاق يخوضها الفنان مع محيطه وربما هو شعور لم يتعجل بتحديد مرتكزات الشعور الداخلي. كل ذلك يحدث في الرسم لأنه متحرك ويخاطب الاخر ويتكفل بحمل كل تلك الدلالات الداخلية لمصائرنا وحتى ما يبشر فيها من الجمال.
انتج حيان عبد الجبار عشرات الاعمال التعبيرية منذ ثمانينيات القرن المنصرم، وكانت حساسيته تضمن له تتبع أساليب ذات وجهة علاماتية تكمن في تباين الأفكار بين المرأة والرجل. وقدم فهما مختلفا في حدود التلاعب البصري في العمل وأراد بكل هذا التوجه أن يستبدل هواجس المرأة بشيء من لغة التأمل والتعبير، فهي تقع على مقربة من واقعيات ذات حساسية مفرطة في التنوع والاشتغال من حيث نتائج الفعل الجمالي. وبدت لوحاته صريحة بحمولاتها ومغامراتها الشكلية وبقى الملفت فيها ما تحمله من سمات بنائية وصور تراجيدية تقنعنا نحن محبي أعماله بانها لا تأتي بهشاشة اشكال متذبذبة بنائيا لتقترب من التقريرية، بل سعيت لوحاته وبخطاب مغترب ومؤثر من حيث الادراك أن تقدم اسلوبا مميزا ومغامرا لتستبدل صورة اليومي بمنجز الرسم وهكذا سنتمتع برؤية فن قابل للتأويل ومتجاور إلى لحظة الشعور بآدميتنا. فهل علينا كمتلقين أن نبقى أسيري دهشة كل تلك الاشكال التعبيرية، ونحن نقترب من نسق متخيل كلما فرض علينا زخم طاقة الجمال في الفن أن نستعيض عن المعنى ببقاء الشكل وخلاصته بعد فهم كل طاقاته وحمولاته العاطفية.
إننا ازاء جمال لا تحدده مدركات التراكيب الشكلية لوحدها، بل علينا الاستعانة بما يحدد طريقة تعاملنا مع فهم المبتغى وما تلزمه الذائقة من اكتفاء بضرورة وجود هكذا أعمال فنية تتغنى بالإنسان.