تطور المقاهي

الصفحة الاخيرة 2019/06/14
...

حسن العاني 
تحدثنا قواميس اللغة العربية بشيءٍ من التفصيل عن العلاقة بين مفردتي (القهوة والمقهى)، ومع أنّ المجال لا يتسع لمزيد من الاطناب، ولكن سأشير بايجاز شديد الى بعض المعاني الطريفة للقهوة التي تعود جذورها الى الفعل (أقهى) ويُراد به شرب القهوة باستمرار، اما القهوة نفسها فهي (الخمر) لأنّ شاربها (يُقهي) عن الطعام، اي يفقد شهيته، ومن معانيها كما يقولون (الرائحة) و (فلان طيّب قهوة الفم) أي رائحة فمه طيبة.. والمقهى اسم للمكان الذي تشرب فيه القهوة.
نحن نعرف أنّ المقاهي ظاهرة عالمية لا يقتصر وجودها على دولة او اقليم او مدينة، ولكنّها تتباين من حيث صيتها وخدماتها ونوع زبائنها، ولعل باريس والقاهرة وبغداد في مقدمة العواصم التي قامت فيها مقاهٍ اكتسبت من الشهرة ما جعل صيتها يعبر حدودها الوطنية كونها احد مكونات المدينة سواء الثقافية ام السياسية، واعتقد ان عودةً الى ستينات القرن الماضي في بغداد تكشف لنا كيف كان شارع الرشيد مثلاً صورة حية لشهرة المقاهي ودورها، فقد تعاونت مقاهي (حسن عجمي والزهاوي واحمد فتاح والبرلمان والبرازيلية وعارف آغا والبلدية والشابندر) وغيرها، على رسم الحياة الثقافية بأروع تجلياتها للعاصمة على وجه الخصوص، والعراق على وجه 
العموم.
كانت هذه الاماكن ملتقى (صباحياً) للعديد من المجاميع الادبية والسياسية على تباين توجهاتها وافكارها ولذلك تهيّأ لها ان تقود حركة الشارع، وتحرك ماكنة الاعلام والصحافة عبر حواراتها الجادة ونتاجها الابداعي... ثم تستكمل نشاطها الثقافي مساء عند ضفة دجلة حيث مقاهي (ابو نواس)، ولا اجد حرجاً من القول، ان تلك المجاميع الشبابية من الادباء والمثقفين استطاعت ان تمسك بزمام السياسة وتوجهها الى حيث تريد.  فيما وقفت عليه عبر قراءاتي وتجربتي الشخصية، ان بغداد واحدة من أكثر مدن العالم عناية بالمقاهي، إذ لا يوجد حي من احيائها او محلة من محلاتها، إلّا وفيه مقهى أو أكثر من (مقاهي الطرف)، زيادة على ظهور ما يمكن تسميته بالمقاهي (المتخصصة) التي يمثل روّادها انتماء الى حرفة معينة، وتجدر الاشارة الى ان مقاهي الطرف في اربعينات وخمسينات القرن الماضي كانت المكان الاول الذي يقصده مرشحو مجلس النواب كلما اقتربت مواعيد الانتخابات، يوم كان النائب قادراً على الجلوس في المقهى او ارتياد السوق بمفرده او السكن في بيت من بيوت المحلة.. أما في العقود الثلاثة الاخيرة من القرن الماضي فقد تم تفخيخ المقاهي بمئة عين وعين، تراقب وترصد وترفع التقارير!!
في سياق تطورات المقاهي، تغيّر الأمر بعد 9 /4 /2003 صعوداً، إذ ازدادت أعدادها الى اربعة اضعاف، وزاد روّادها الى عشرة اضعاف، وذلك بحكم عاملين، الاول: زوال عهد التقارير، وسيادة اجواء الحرية، والثاني: كثرة العاطلين عن العمل، وكثرة الموظفين الذين لا يصلون الى دوائرهم الا في يوم الراتب، ومع الزيادات المتواصلة في اجواء الحرية واعداد العاطلين، سوف يزداد عدد المقاهي.. وقد تُغيِّرُ بغداد اسمها التاريخي من عاصمة العلم والادب وأم الدنيا، الى أم المقاهي ومدينة المليون "كهوه"!!