سالم مشكور
الذين فقدوا حياتهم في حادثة العبّارة ليسوا ضحايا للجشع والإهمال.
الموضوع أكبر من هذا.
هؤلاء ضحايا ثقافة مترسخة في دولنا، وفي العراق بشكل أوضح، هي ثقافة الاستهانة بالإنسان وحياته وكرامته.
هو أرخص من كل شيء، وهو الضحية دائما، وهو الموضوع في خدمة كل شيء.
ثقافتنا جعلت الانسان في خدمة العناوين الكبرى التي وجدت في الأساس لخدمة الانسان.
هو يموت من أجل الدين، ويموت من أجل الوطن، ويموت من أجل الحزب، ويموت من أجل القائد والزعيم، وما دام الموت هو المشترك الدائم بين كل هذه العناوين فان الموت بسبب الإهمال والتقصير والفساد والجشع يصبح أمراً مستساغاً لا يكلّف سوى بيان نعي وتأبين، وكلمات مواساة وبرامج تلفزيونية
وتصريحات سياسية لأطراف تنتظر موتاً كي تستثمره في مناكفاتها وصراعاتها، عبر حفلة بكاء ولطم على الضحايا، تنتهي بإقالة مسؤول والاستحواذ على منصبه الذي يعتبر مغنماً اقتصادياً في ظل تفشي حالة التوحّش والجشع الذي يلغي كل
الاعتبارات.
لقد أنزل الله الدين ليكون في خدمة الانسان، يحفظ كرامته، ويعلي من شأنه، وجعل حياته مقدسة، لدرجة أن قتل نفس واحدة يساوي قتل الناس جميعاً.
الوطن قيمته في ناسه، فلا قيمة للاوطان دون بشر محفوظة كرامتهم وعيشهم وعزتهم، وإذا لم يتوفر ذلك فان الفطرة تدفع الناس الى الهجرة بحثاً عن وطن حقيقي.
الحزب الذي يتأسس يكون هدفه هو الانسان وخدمته، ومن يخدم الانسان أكثر يحصل على أصواته في الانتخابات.
هؤلاء ومثلهم باقي العناوين الكبرى هي من أجل الانسان وليس العكس.
هذا الوعي يحجبه أصحاب المصالح ليضعوا الانسان وحياته وكرامته في خدمتهم.
يبقون على الجهل متفشّياً كي لا يقف الانسان مع نفسه متسائلاً: أين حقوقي ولماذا أموت أو أعيش الفقر والذل من أجل هؤلاء؟.
عندما تغيب ثقافة قدسية الانسان وأولويته، يكون الرادع لانتهاك حياته هو الضمير، وعندما يغيب الأخير يأتي دور القانون والضوابط التي تحمي حياته وتصون كرامته، وإذا ما غابت الأخيرة يعمّ الخراب وينتشر القلق ويصبح الموت المجاني حالة يومية.
أجزم أن الضمير الحي بات نادراً عندنا، لذلك لا مناص من سلطة مقتدرة تطبق القانون بصرامة لتحمي الانسان، عابرة كل الكوابح والمصدّات وأولها الفساد والمحاصصة، فهل تكون فاجعة العبّارة محركاً لتحقيق
ذلك؟.