مشروع زواج فاشل

الصفحة الاخيرة 2019/12/13
...

حسن العاني 
 
بعض الناس يولد ويموت من دون أنْ يرى حلماً جميلاً أو كابوساً مرعباً، وبعضهم لا تمر به ليلة من دون عشرات الأحلام والكوابيس، وهذا التفاوت ظاهرة عالمية تشمل بلدان المعمورة جميعها باستثناء العراق، الذي يرى شعبه أنواع الأحلام بصورة يوميَّة، حيث لا يوجد مواطن واحد- حتى مواطني الخضراء – الا واستيقظ من نومه مرتين أو ثلاثاً وقرأ المعوذتين وكرع قدحاً من الماء وعاد الى نومه، ولعلني العراقي الوحيد الذي شذَّ عن هذه القاعدة، لأنَّ أحلامي تتسم بالغرابة والفنطازية، وتقوم على نوع من التوليفة الدراميَّة بين أفراح ومواقف كوميدية، وبين أحزان ومواقف تراجيدية..
واحد من غرائب تلك الأحلام، ان صديقة مخلصة اقرب ما تكون الى الحبيبة، كان بيني وبينها مشروع زواج لم يكلل بالنجاح، شجعتني على المطالبة باحتساب خدمتي الجهادية، وقد تحمست لهذه الفكرة لأنَّ راتب المجاهد التقاعدي يعادل أضعاف الراتب الذي يتقاضاه غير المجاهد، ولذلك رأيت من حقي الطبيعي الحصول على مثل هذا الامتياز، فأنا لم أكن أتسكع في شوارع لبنان مثلاً وأقبض راتبي بالعملة الصعبة بحجة انني معارض ولا يطيب لي النضال إلا في خارج العراق بل كنت أحمل صفة المجاهد عن جدارة (كل هذا الحوار الداخلي كان في الحلم)، وهكذا توجهت برفقة صديقتي المخلصة الى (المديرية العامة لمتقاعدي الخدمة الجهادية) – اتفقنا في الطريق على إحياء مشروع الزواج إذا ما حصلتُ على الراتب الجهادي، والهرب الى القطب الجنوبي لتمضية ما تبقى من (أيام) العمر- وفوجئت أنّ كلَّ شيء في هذه المديرية جميل ونظيف ومرتب بخلاف مديرياتنا التي أراها في اليقظة حيث الإهمال والتدافع والرشوة والبيروقراطية...
استقبلني موظف الاستعلامات استقبالاً حافلاً بآيات الترحيب والذوق الراقي واللغة المهذبة، وطلب مني أنْ أعرض قضيتي، وقد منحني ذلك الاستقبال الكريم قدراً لا يوصف من الانشراح والراحة النفسيَّة، فقلت له بعد تقديم الشكر والامتنان على سلوكه النبيل: إنني كنت مجاهداً ضد نظام صدام الدكتاتوري، وقد ارتبطت بمنظمة سرية مناوئة له اسمها الاخاء والسلام كان يتزعمها المجاهد الدكتور طه حامد الشبيب، وانَّ رئيس النظام شخصياً منعني من مزاولة عملي الصحفي مدى العمر، ووضعني نجله (عدي) تحت رقابة شديدة حيث كانت عيون أتباعه تلاحق اية مقالة أحاول كتابتها باسم مستعار، وقبل منعي من الكتابة قام وزير إعلام النظام باستدعائي الى مكتبه وبحضور الزميل رئيس تحرير مجلة "ألف باء" الصديق الراحل أمير الحلو، والزميل العزيز، الصديق خضير الحميري، وهددني بالقتل علانية إذا واصلت كتاباتي المشاكسة، ومع ذلك (بقيت نائماً على قلب صدام ونجله ووزير إعلامه) ولم أغادر العراق.. ابتسم موظف الاستعلامات وقال لي أنت مجاهد من الدرجة الأولى، وسألني إنْ كنتُ هيأت طلباً، فقدمته له فوراً لكوني أعددتُه سلفاً، نظر إليه الرجل مستغرباً وقال لي (مولانا.. هذا الطلب غير مختوم من الحزب المجاهد الذي تنتمي إليه) أجبته (أنا مجاهد مستقل من داخل البلاد) غير أنه بما أوتي من تهذيب، أبدى عظيم أسفه قائلاً (مولانا أنت رجل مثقف وتحترم القانون وهذا هو قانون الخدمة الجهادية)، ولا أدري لماذا لم أنزعج حتى بعد أنْ استيقظتُ من النوم فقد كنتُ منبهراً باحترام القوانين وتطبيقها وإنْ كانت معدّة على مقاس الأحزاب، ما آلمني فقط هو أنَّ مشروع الزواج قد باء بالفشل!!