مشاهد حيّة وثقتها « الصباح » من ساحة التحرير
العراق
2020/01/11
+A
-A
بغداد / هدى العزاوي / تصوير علي الغرباوي
انتشرت، قبل الرابع والعشرين من تشرين الاول الماضي ، سرادقات المتظاهرين على جوانب الطرق المؤدية إلى ساحة التحرير، وبينما يصطف الشباب للتظاهر بالقرب من مخيماتهم للمطالبة بحقوقهم، يقول علي العلوي وعلى وجهه تلوح ابتسامة ملؤها التفاخر: “ايمانا منا بسلمية التظاهر والمطالبة بحقوقنا نصبنا خيمة “اخذ حقي” على امل استحصال حقوقنا المسلوبة منذ اكثر من ستة عشر عاما.
وبينما يسرع اصحاب السرادقات من الرجال والشباب لتلبية احتياجات المتظاهرين، يضيف العلوي وعيناه تراقب بشغف سير
التظاهرات: “حجزنا مكانا لخيمتنا في حديقة “الامة” من أجل مد جسور الالفة والمحبة بيننا وبين الجموع المحتشدة في ساحة التحرير”.
ويؤكد العلوي، وهو يشير الى الخيم القريبة منه، أن استمرار عملنا كان بدعم لوجستي عبر هوية مركزية للتبرعات توزع بين اصحاب المواكب لتوفير متطلباتهم من اجل خدمة المتظاهرين على أحسن وجه”.وسط المشهد يبرز صوت ابراهيم عبد الله حاملا شعار محاربة الجهات الفاسدة التي تسرق اموال المرضى، ويقول عبد الله وعلى وجهه علامات الحزن والاسى: إن “للمرضى حقا على الدولة وعليها ان تلبي احتياجاتهم ومعالجتهم، وها انا اطالب بحقي وبحق
جميع مرضى العراق من خلال التظاهر لتوفير العلاج اللازم لهم عبر الدولة او خارجها”.
قطع حديثنا رجل على مشارف الاربعينيات يقول بصوت ملؤه الفخر “عاش العراق عاش ابناء هذا الجيل الذي يطالب بحقوق من عجز عن المطالبة بحقوقه”.ومن اجل خدمة المتظاهرين سخر “الاسكافي” ثابت محسن بدر عمله لخدمة المتظاهرين، وبعينين مغرورقتين بالدموع قال: “هذا ما استطيع تقديمه لشباب ضحى ما ضحى من اجل اعلاء كلمة الحق وها هي بوادر الانفراج بدأت تأخذ منحى اخر بتلبية متطلباتنا والقضاء على الفساد الذي طال بلدنا منذ اكثر من ستة عشر عاما”.
لوحة فنان
بالقرب من المطعم التركي فتاة في مقتبل العمر تلوح بفرشاتها محاولة جذب انتباه المتظاهرين لتوثق محبتها للعراق برسم العلم العراقي على جباههم، وتقول هند ذات الواحد وعشرين عاما: ما علينا الا ان نسخر جهودنا وابداعاتنا للمشاركة بهذه التظاهرة التي اثبتت ان جيل الشباب هم جيل المستقبل الذي سيرفع اسم العراق عاليا حتى تصدر الاخبار العالمية والعربية بانجازات شبابه من سكن في ساحة التحرير”.
المطعم التركي او “جبل أحد”، كما اطلق عليه المتظاهرون لم يخل من جدار الامنيات الذي وثق على مدار ثلاثة اشهر مطالبات المتظاهرين وبمختلف اعمارهم وميولهم السياسية وتطلعاتهم الفكرية، ويقول الكاتب والصحفي ستار جودة الذي كان منشغلا بتحويل الجدران الصامتة الى لوحة تشكيلية للتعبير عما يدور من احداث في ساحة التحرير: إن “هذه الفكرة مقتبسة من جدار موجود في فرنسا وقد لاقى ترحاب الكثير ممن يطمح الى توثيق امنيته بقصاصة ورق ملونة تعلق على جدار سمي بجدار الامنيات.. بدت على ملامحه علامات الحزن والاستياء ثم واصل قائلا بفخر: “سنبقى على العهد وسنوثق
كل كلمة لمسناها بقصاصة سيخلدها التاريخ بأن هناك شعبا ضحى من اجل اعلاء اسم الحق”.
وبعد انتهاء التظاهر ما مصير تلك الامنيات؟ أجاب جودة وعلى وجهه الكثير من الاجوبة أولها بانها ستوثق بالبوم للصور واخرى سيكتب عنها قصصا قصيرة ابطالها اصحاب الامنيات”.
وبينما كان احد الشباب منشغلا بالاطلاع على ابرز العبارات التي وثقها احد المتظاهرين، اشار سرمد سعدون الى القصاصات قائلا: “كل كلمة كتبت ووثقت بقصاصة ملونة ما هي الا حلم لكل شاب بأن يجد وطنا يلبي طموحاته. قطع حديثه الكاتب والصحفي جودة، مؤكدا أن هذه القصاصات تضم الكثير من العبارات التي كان ابرزها “حب الوطن” لتكون لوحة فنية مفادها امنيات استرجاع العراق الى احضان ابنائه، بينما تنوعت الامنيات بين الجد والمزاح بطلب الزواج او التخرج وغيرها من الامنيات التي لاقت ترحابا، وبين القصاصات التي تدعو الى حفظ الوطن”.
مشاهدات حية
انشغل عدد من الشباب وبمختلف الاعمار في تنظيف الشوارع القريبة من التخييم حفاظا على نظافة التظاهر، وهذا ما اكده مؤسس احدى الفرق الطوعية عبد الرحمن الزيدي الذي كان منشغلا برفع بقايا الطعام، مشيرا الى ان “تواجدنا في ساحة التحرير للحفاظ على نظافة المكان وتعبيرا منا بأن هذه الثورة نظيفة خالية من اية شوائب تمس سلميتها وتوجهها الحقيقي الذي حاول البعض تشويهه”.
منذ اندلاع التظاهرات، اخذت ام عمار على عاتقها خدمة الشباب من خلال تواجدها في ساحة التحرير منذ الساعة السابعة صباحا الى الساعة الرابعة عصرا لطهي الطعام للمتظاهرين وتقول ام عمار كما تكنى في الساحة: ان مطالبها لا تختلف عن مطالب المتظاهرين بايجاد وطن يحتوي شعبه وينصره وان وجودها لم يكن الا دعما لاستمرار التظاهر”.
العشائر العراقية
وكان الكثير من العشائر العراقية حاضرة في ساحة العز والكرامة منها خيمة قبيلة العزة التي كانت حاضرة بالقرب من خيمة ابناء واسط، ويقول الشيخ نصير خالد: ان “العنف الذي جوبه به المتظاهرون غير مقبول ومرفوض لذا كان علينا مساندتهم ودعمهم من خلال التواجد في ساحة التحرير وتلبية احتياجاتهم وهذا ما حدث فعلا فقد سخرنا الجهود
لدعم المتظاهرين من خلال توفير المأكل والمشرب وحتى المبيت لذا نأمل ان يعلو صوت الحق بالتظاهر السلمي”. بعد ان خفت اعداد الجموع في ساحة التحرير بدأت حركة دؤوبة للسيارات والعربات لتنقل كل ما يحتاج اليه المتظاهرون من مأكل ومشرب وعصائر وفاكهة وشاي وقهوة وحلوى وحتى قدور الطبخ، ويقول المتظاهر علي عباس: ان اصحاب المواكب اخذوا على عاتقهم توفير الطعام والمبيت طيلة ايام التظاهر، بالإضافة إلى توزيع مادة البنزين الى اصحاب “التك تك” مجانا الذين التمسنا منهم المروءة والشجاعة والنخوة، فضلا عن مواقف أخرى تتسم بغاية الجود والكرم”.
تبدأ المواكب مراسمها بالقرب من ساحة النصر بتوزيع الاعلام العراقية بين المتظاهرين وترديد الشعارات التي تدعو الى الوحدة الوطنية، بينما دعا احد الشباب المتظاهرين الى كتابة عبارات تتعلق بحق الوطن على لوحة جدارية تسابق الكثير لتوثيق مشاعرهم بعبارات موجزة عن حب العراق”.
وكان الفنان عباس العباس يطمح الى حجز مكان للرسم على جدار نفق التحرير بعد ان اكتظ برسومات الشباب المبدعين، ويقول العباس الذي كان ينتظر بفارغ الصبر ان يأذن له بالرسم: إن هذا المكان سيخلد بانجازات المتظاهرين لذا كانت لي رغبة شديدة بمشاركتهم لوحتي الفنية التي تعبر عن العراق ومحبة ابنائه”.
على مدار ثلاثة اشهر حملت التظاهرات الكثير من الصور المعبرة عن الانتفاضة منها المبادرات الحكومية التي تجسدت بالجيش والشرطة ومديرية الدفاع المدني والاسعاف الفوري للمرابطين في ساحة التحرير لتلبية احتياجاتهم وحمل الشعارات التي تدعو لنبذ من يحاول زعزعة سلمية التظاهر”.