كثرت المطالبات الأخيرة بين المتظاهرين السلميين ، وجميع مطالبهم مشروعة ومنسجمة مع الدستور ، وأضفت سلمية التظاهر والانضباط والحرص على حماية واحترام الممتلكات العامة والخاصة ، وحالة الوعي القانوني والسياسي التي يتمتع بها جمع غفير من المتظاهرين والمعتصمين ، خلقت نوعا من الثقافة السياسية والقانونية ، من خلال الفطنة والثبات على المطالبات الحقيقية التي تريد التغيير الشامل لجميع مفاصل الغبن والظلم والفساد في القوانين والأوامر والتعليمات ونصوص الدستور
والتدهور السياسي والاقتصادي والاجتماعي نتيجة الفشل وانتشار الفساد المحمي من قبل الأحزاب والمجموعات المسلحة خارج نطاق الدولة التي تنهش بجسد العراق وتتحدى أهله ومستقبلهم ، وبين تلك المطالب هناك من ينبري ليطالب بتغيير نظامنا السياسي الدستوري الى نظام رئاسي ، وهناك مجموعة كبيرة من أبنائنا وأخوتنا ممن يجهل الفرق بين النظام الرئاسي والنظام البرلماني ، واختيار النظام الدستوري لأي بلد كان يخضع لمتطلبات الظروف والتجارب التي يمر بها ، وينص عليها الدستور ، ويستطيع أي شعب من
الشعوب تبديل نظامه الدستوري من رئاسي الى برلماني وبالعكس تبعا لمديات نجاح أو فشل هذا النظام ، ومقدار تناسبه مع التجربة السياسية التي يمر بها ، ولغرض الفائدة نعرض هذه المعلومات
بشكل موجز :
النظام الرئاسي يقوم أصلا على انتخاب رئيس الجمهورية انتخابا مباشرا من قبل الشعب ، وأن كان النظام الدستوري يعتمد على مبدأ الفصل بين السلطات ، إلا انه وفق هذا النظام يتمتع رئيس الجمهورية بصلاحيات واسعة ، ويكون رئيسا للسلطة التنفيذية التي تتشكل من وزراء أو من أشخاص مكلفين بمسؤولية تلك الوزارات ، وهو الذي يشكل الحكومة ويطرح برنامجه السياسي التنفيذي ، وتكون الحكومة مسؤولة أمامه
وليست أمام مجلس النواب ، وفقا لهذا يستطيع إنهاء عمل الحكومة وتغيير الوزراء، ولا يتلقى أمرا أو يطلب موافقة من مجلس النواب الذي لا يملك أية صلاحية لإسقاط الوزارة أو سحب الثقة عن وزير ما ، فيكون رئيس الجمهورية في هذا الحال يحمل صفتي رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ويمارس صلاحيتهما معا ، فتتجمع كل مفاصل السلطة التنفيذية بيد الرئيس، وتركيا ومصر وإيران والولايات المتحدة الاميركية مثالا على
هذا النظام .
ومن مزايا هذا النظام انه يتيح للرئيس اختيار طاقم وزارته بشكل مستقل عن السلطة التشريعية ، ويمكن أن يواجه عقبات ومواقف تتعارض مع سياسته من قبل مجلس النواب مما يشكل عائقا في مسيرة العملية السياسية ، وانه يكون حرا في اختيار السياسة التي يعتقدها صحيحة من دون ان يتمكن أحد من تغيير مسار عمله أو
محاسبته .
ومن عيوب هذا النظام أنه يلغي مسؤولية الحكومة أمام مجلس النواب ،فلا تكون هناك محاسبة أو استجواب أمام المجلس ، ويؤدي هذا النظام الى التفرد بالقرار والاستبداد بالسلطة التي أصبحت بيد الفرد شخصيا أو مستندا على الحزب الأكثر عددا والمهيمن على السلطة ، مما يعني عدم جدية الفصل بين السلطات ،
ويتناقض مع مفهوم النظام الديمقراطي الذي يقوم على توزيع السلطات واستقلاليتها وتعدد مراكز القرار ، ولايمكن تغيير او تبديل الرئيس بالطرق السلمية إلا بوفاة الرئيس أو عزله بحركة سلمية لأن النظام الدستوري
لا يسمح بذلك ، وعند حدوث أي تعارض او تصادم بين رئيس الجمهورية ومجلس النواب سيؤدي الى شل مسيرة البلاد وظهور خلافات تضر
بالعملية السياسية . أما النظام البرلماني ( النيابي) فغالبا ما يحدث الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ، ويرأس السلطة التنفيذية رئيس الوزراء الذي يتم تكليفه بتسمية طاقم وزارته وعرضها على مجلس النواب للمصادقة
عليها ، ويكون رئيس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة
للدولة بعد ان يقدم منهاجه الوزاري ، ومسؤولية رئيس مجلس الوزراء والوزراء مسؤولية تضامنية وشخصية أمام مجلس النواب ، والمجلس الأخير يتمكن من استجوابهم
واقالتهم ومثلما يتمكن من استجواب رئيس الوزراء وإقالته ، والسلطة متمركزة بيد رئيس الوزراء مركزيا ، بينما يكون مركز رئيس الجمهورية رمزيا وصلاحياته برتوكولية ومحددة ويتم انتخابه من قبل مجلس النواب ، ويمكن للمجلس مساءلة رئيس الجمهورية وإعفاؤه من منصبه في حالات يحددها الدستور . ويمكن ان يتم تكليف عضو مجلس النواب بان يكون وزيرا في هذا النظام ، وهو غير مسؤول عن عمل
مجلس الوزراء .
ومن محاسن هذا النظام أنه يحقق فعليا حالة الفصل بين السلطات ، ويرسخ مبادئ الديمقراطية حين يجعل ممثلي الشعب يدققون ويراقبون ويحاسبون السلطة التنفيذية في عملهم أو فشلهم ، كما انه يمنع الاستبداد والتفرد بالقرار ، ويؤدي هذا النوع من النظام الى وحدة السيادة
للدولة . ومن عيوب هذا النظام أن رئيس الوزراء والوزراء عرضة للاستجواب والإقالة من قبل مجلس النواب ، أو أن يكون رئيس الوزراء مستندا على حزب معين يكون حاميا له رغم فشله أو فساده ، ورئيس الحكومة مكلف من قبل رئيس الجمهورية وليس من قبل الشعب ، ويمكن أن يكون رئيس الوزراء من خارج أعضاء مجلس النواب ، وكذلك رئيس الجمهورية ، ويظهر تأثير الأحزاب والكتل السياسية الكبيرة واضحا في الهيمنة على تلك المراكز
والتأثير عليها .
إن العيب ليس في اختيار النظام البرلماني ( النيابي) إنما يكمن العيب في عدم التطبيق الواعي والسليم والحريص لنصوص الدستور والعمل بشكل فاعل وجدي لتأسيس دولة القانون وأن تكون المواطنة هي الأساس في بلد يتساوى فيه أهله أمام القانون بغض النظر عن الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي
أو الاجتماعي .