حشد للدفاع والإعمار

الثانية والثالثة 2019/01/14
...

سالم مشكور
 
استوقفني حديث لمحافظ كركوك مع احدى المحطات التلفزيونية المحلية وقع فيه في تناقض واضح. قال فيه إنه لم تعد هناك ضرورة لبقاء الحشد في كركوك، لكنه يؤكد في جواب آخر على أن داعش ما زال يتخذ من كركوك ملاذاً خفيّاً ومنطلقاً لتنفيذ عمليات في مناطق متعددة. وحيث أنه يعلم حجم الدور الرئيس الذي لعبته قوات الحشد الشعبي في القضاء على داعش وإعادة الامن و"الشرعية" الى كركوك الى جانب الجيش وباقي الأجهزة الأمنية، وهو ما مكّن المحافظ الحالي من تبوّء موقعه، فان مطالبته بخروج الحشد في هذه المرحلة لن تعني سوى فسح المجال أمام داعش للسيطرة على المحافظة. هذه المطالبة تأتي في وقت تتصاعد فيه المطالبات الأميركية، وتبعاً لها الإقليمية بحل الحشد الشعبي على خلفية اتهام بعض فصائله بالارتباط بإيران، في إطار حملة أميركية - إقليمية لمحاصرة إيران.
منذ تشكيل الحشد الشعبي وانتظامه في مؤسسة مرتبطة بالدولة، كتبت وتحدثت عن أن دور هذه القوة يجب ألّا ينتهي بالقضاء على داعش،. هكذا قوة لو كانت تشكلت بعد الإطاحة بالنظام السابق لوفّرنا الكثير من الخسائر البشرية والمادية في الحرب ضد القوى الإرهابية التي تداخلت مع الساعين للعودة الى الماضي.
الحشد الشعبي خرج من الحرب ضد داعش بعشرات الاف الشهداء الذين تركوا وراءهم جيشاً من الارامل والايتام، خرج مرفوع الرأس مسجلّا صفحة ناصعة في مسيرة التلاحم الوطني ضد الارهاب. الحرب العسكرية المباشرة ضد داعش انتهت وبقي الخطر قائما من جانب داعش أو غيرها من المسميات التي سيجري ابتداعها، وهو ما يؤكد ضرورة بقاء الحشد قوة احتياطية جاهزة للدفاع. بقاء سمعة الحشد وهيبته يتطلبان من قادته إجراءات غير عادية لمنع أية ممارسات تتم باسمه تسيء اليه. مسؤول في أحد الفصائل أخبرني انهم يتلقون يوميا بلاغات عن عشرات الانتهاكات التي يقوم بها أفراد باسم هذا الفصيل. هذا الامر يتطلب جهدا غير عادي وبالتعاون مع الأجهزة الأمنية لمنع هذه الانتهاكات التي لا يمكن الادعاء دائما بان مرتكبيها لا يرتبطون ببعض الفصائل، بل هي ظاهرة تشهدها الدول بعد انتهاء حروبها وعودة مئات الاف المقاتلين الى المدن. بغياب الاعمال القتالية يمكن للحشد أن يمارس جهاداً أخر هو جهاد البناء والاعمار. هؤلاء يتقاضون رواتب ثابتة، وهم قوة شبابية خلّاقة وبينهم الكثير من أصحاب الاختصاصات المطلوبة. بخطة حكومية متقنة يمكن توظيف طاقاتهم في مشاريع الاعمار وما أكبر حاجتنا لها، في الزراعة وانشاء الطرق وبناء المدارس وغيرها الكثير.
هكذا تفعل الدول بقواتها المسلحة في مراحل السلم. لو طبقنا هذا الامر سنحقق الكثير على صعيد الاعمار، وكذلك على صعيد تعزيز صورة الحشد كقوة دفاع في الحرب، وبناء في السلم.