فنتازيا العنوان الروائي

ثقافة 2020/11/14
...

  أشواق النعيمي 
 
 أول ما يصافح عين القارئ في رواية ما عنوانها بوصفه بوابة النص الأولى، والمدخل السيميائي الذي يتوقع أن يكون ذا بنية تبادلية متوازية مع المضمون قبل أن يُخيب ظن القارئ بمتن لا يرتقي إلى مستوى الإدهاش والأسئلة التي أثارها العنوان. 
عنونة النص جزء من سوسيولوجية الأدب التي تتعلق بعملية تسويق واستهلاك المنجز وهي ظاهرة تستحق الدراسة كونها ترتبط ارتباطا وثيقا بالارتفاع الكمي والنوعي للكتاب، والعلاقة طردية بين الإنتاج وتطور وتنوع وسائل الارتقاء بالمنجز على مستوى المتن الأساسي، والعتبات الموازية التي تتضافر مع بعضها لترتقي بالنص وتضيف إليه. ينهض العنوان بعدد من الوظائف أهمها الوظيفة الاشهارية والتأثيرية والإيحائية والدلالية، ومن هذا المنطلق نال عناية المؤلف حد التهويل على حساب النص لتصبح العناوين أكبر من متونها. 
يثير «لعنة ماركيز» عنوان رواية ضياء جبيلي فضول القارئ لاكتشاف تفاصيل تلك اللعنة التي أرادها الكاتب أن تكون معادلا موضوعيا لمصادرة حق العراقي في وطنه، حتى حقه في تدوين الألم والمعاناة استُلبت منه عنوة بواسطة ماركيز الذي أثرى من الكتابة عن مآسي الشرق وشواهد قبورهم، ورمزا لقوى لا يمكن مجابهتها كونها تتحرك وتنفذ ما تريد وهي غير مرئية ولا معلومة، مستخدما الواقعية السحرية في طلاء سرده لمجانبة الأسلوب المباشر للخطاب الروائي الذي استدعى كل مرارات الواقع العراقي. لعنة ماركيز هي استعارة للعنة تدوين الوجع والصراخ الذي يودي بمدونه إلى الموت الحتمي.
ويشكل «أصناموفوبيا» عنوان رواية راسم عبد القادر مدخلا رهابيا لعوالم وأحداث درامية ترتبط بواقع العراق والعنف الطائفي الذي حدث بُعيد الاحتلال الأميركي وتحديدا بين عام  2003 و2007  سُردت من وجهة نظر محايدة بصوت الراوي العليم دون أن يغفل وجهة نظر الأطراف المتصارعة. تقدم الرواية في الخاتمة أجوبة مقترحة لبعض الأسئلة التي أثارها النص وتكشف للقارئ عما اختزله العنوان من شفرات سردية وسؤال راوده قبل القراءة، من هم «الأصنام المخيفة»؟.
ويستفز عنوان رواية «فوجا» للروائي المصري عمرو الجندي فضول الباحث عن رواية تتسم بالغموض والغرابة. ينتمي العنوان إلى علم سيكولوجيا الجرائم ويعني الهروب إلى الجريمة. قد يقود الكبت المستمر إلى ارتكاب الجريمة هروبا من الواقع والبحث عن مخرج افتراضي له. كل شخصية في الرواية حالة فوجية مختلفة حاولت  في لاوعي منها قمع ماضيها بارتكاب الجريمة أو الاشتراك فيها. يلجأ السارد إلى أسلوب التحليل النفسي بوصفه خطا مستقلا يسير بموازاة الحدث الفعلي وتشعباته، مبررا بالدلائل المادية والعقلية أسباب الجريمة ودوافع ارتكابها. 
أما «كريماتوريوم « فهو اسم غريب آخر لرواية واسيني الأعرج تحكي قصة الاغتراب خارج حدود الهوية حتى بعد الموت. كريماتوريوم أو عملية ترميد الموتى في رمزيتها هي التخلص من القشر الجسدي المنفي بآلامه وعلله والإبقاء على الجوهر الرمز الذي سيراوغ وصولا إلى أرض الآباء والأجداد ليتنفس هناك عبق أشجار الزيتون ونوار البنفسج عند سفوح مدينة القدس.
واختار يوسف زيدان «عزازيل» عنوانا لروايته المثيرة للجدل لتناولها  بعض الخلافات اللاهوتية المسيحية القديمة. وعن دلالة العنوان فعزازيل في الرواية هو المعنى المرادف للشيطان، شيطان الراهب الذي يتجلى له في عزلته ويحثه على المضي في الكتابة والاعتراف بكل ما ارتكبه في حياته من خطايا ليتطهّر. عزازيل فلسفة النفس في استدراج خباياها للمثول على منصة البوح لتتحرر من قيود آثامها الثقيلة. وعزازيل أيضا الوهم الذي تخلقه الأنا، بل هو الأنا التي تعبر عن كل ما هو مخفي في دواخل الإنسان وعقله اللاواعي.   
وفي الرواية المترجمة يكتشف قارئ رواية «الشبح  Phantom « للكاتب النرويجي جو نيسبو أن العنوان مجرد رمز لمعانٍ عدة ومتضادة وردت في النص. لم يرد العنوان بوصفه مفهوما دالا بل إجرائي. بما أن الأشباح تنتمي للعالم اللا مادي اتخذها المؤلف وصفا لنقيض الحياة والقوة الجسدية، وأسلوبا لتنفيذ الجرائم وإشارة لعبثية البحث عن منفذ الجريمة الفعلي.
ولم يكن «أطلس متململا Atlas Shrugged « عنوانا محتملا لرواية الأميركية آين رايد، ولأسباب تتعلق برغبة المؤلفة في عنوان لا يكشف عن مضمونه، اختارت هذا العنوان الغامض. تنهض فكرة الحكاية على مبدأ الصراع بين فئتين، فئة المفكرين والمنتجين في المجتمع وفئة المتنفذين الذين يحاولون استغلال الفئة الأولى بشتى السبل وتجريدهم من حقوقهم. الجزء الأول من الاسم في رمزيته مقتبس من المثيولوجيا الإغريقية، وهو إله إغريقي عوقب بعد حرب الجبابرة وحكم عليه بحمل القبة السماوية إلى الأبد. وهنا تتساءل الرواية في استعارة رمزية، ما الذي يحدث أن تعب أطلس وقرر أن يترك القبة السماوية لتسقط؟ أي ما الذي يحدث أن تعب المنتجون وأصحاب الفكر في المجتمع وقرروا التخلي عن دورهم؟.