مارادونا شاعراً

ثقافة 2020/11/28
...

علي وجيه 
 
مات مارادونا، وحزن عليه العالم، لغياب أسطورة كرة القدم الذي ترك ذكرى لدى الجميع، لكنّ الأمر أكبر من مجرّد وفاة رمز، أو شخص ممتع، فمات قبله كثيرون، وسيموت بعده كثيرون، من لاعبين ومطربين وممثلين وصانعي ذكرى، لكن الأمر مختلفٌ مع مارادونا.
وفي ردود الفعل، تابعتُ صفحات الشعراء العراقيين والعرب، وكان هناك مَن حزن عليه وهو ليس رياضياً، ولا يتابعُ أيّ مباراة كرة قدم، قديمة أو حديثة، وهناك مَن لم يسعفه عمره لمعرفة مارادونا طازجاً، كما عرفه آباؤنا وجيلهم، فما المختلف بهذا الرجل؟
يقدّم مارادونا حياةً شعرية بشكل كبير، بعيداً 
عن مستواه العالي بلعب الكرة، فشخصيّته هي التي خلقت ذلك التعاطف، فمَن مات فردٌ من الأسرة 
بطريقة ما.
قدّم مارادونا اللاعب الذي ظلّ محتفظاً بطين الشارع، التلقائي، رأينا جميعاً في أوقات سابقة مقاطع لمارادونا وهو يرقص، ويتصرف بطرافة، وهذا ما لم نره لدى بيليه، أو رود غوليت، أو يوهان كرويف، أو بلاتيني، أو غيرهم من النجوم آنذاك.
الحياة الشعرية التي قدّمها مارادونا لمتابعيه هو التصرف بتلقائية، فهو مارادونا أمام البابا، وأمام كاسترو (وتلك عتبة أخرى للحميمية التي قدمها للعالم)، وفي الملعب وفي الإعلام، وهو نجمٌ يُخطئ ويصيب، أطفال غير شرعيين، ومخدرات، ومنشطات، لكن الجانب الشعبيّ لدى الناس يغفرُ هذه الأخطاء، كما يغفرها لبوكوفسكي، الشاعر والروائيّ، ولبودلير، وغيرهم من الأدباء!
الدفقة اليسارية، حيث جيفارا على زنده موشوماً، وكاسترو على ساقه، ثم الجانب الذي يقدّم مارادونا كشخصٍ سيء ممتع، غير أخلاقي، هذه دفقة شعرية وليست رياضية، فالجمهور مثلاً لا يتوانى عن الإعجاب بهدفه الذي أحرزه بيده، رغم أنه هدف غير أخلاقي، وغير قانوني، لكن: شعرياً، الأمر جائز، مثلما تستمتع وأنت تقرأ قصص الشطّار والعيّارين.
ولذلك كان مارادونا جزءاً أساسياً من كتابات غاليانو، ويذكره درويش، ويرثيه تقريباً كل الشعراء الذين أعرفهم، لأنه لم يعش حياته لاعباً، ينجز الأهداف، والبطولات، ثم يتحوّل إلى مدرب، أو خبير في الفيفا، أو مسؤول، هو لاعب يشبه الطين، يكبر فيصبح بديناً مثله مثل أي رجل اعتيادي، ويخطئ كثيراً، وطيّب كثيراً، مع الرموز اليسارية التي تدغدغ عاطفة الجمهور منذ قرن تقريبا! 
مات مارادونا، اللاعب الذي عاش حياة شاعر، أو رسّام صعلوك، أو فنان بوهيمي!