ميدالية حضيري أبو عزيز!

الرياضة 2021/08/16
...

علي رياح  
منتهى الألم أن يُختزل التاريخ الرياضي العراقي بميدالية برونزية واحدة تحققت لنا قبل إحدى وستين سنة.. وأعلى وأعمق وأبعد حدود الكارثة أن يأتي شخص يُفترض أنه مهتم بالعمل الرياضي ومشارك فيه ويعلن أن حضيري أبو عزيز وليس عبد الواحد عزيز هو من سجل لنفسه وللعراق وقفة العز والشموخ والإنجاز على منصة التتويج الأولمبي!.  
هذه ليست مزحة، ولا هي فكرة من نسج الخيال، إنما أنا اتحدث عن موقف عشته بنفسي، حين جاءني عبر الماسنجر صوت يتساءل عن رحلتي إلى اليابان وكيف تابعت الدورة الأولمبية الأخيرة والقصص والمآثر التي صنعها الأبطال هناك، في مقابل قدر أكبر من حكايات الإخفاق وهو أمر محتم في الرياضة، فلا يمكن أن يتـّسع الفوز للجميع.  
بعد أن انتهيت من الحوار الذي حرصت على إنهائه بأسرع صورة ممكنة، عدت إلى نفسي أسألها: هل يمكن أن يصل بنا التسطيح والتجهيل والتخلف إلى هذا المستوى الذي يضيف بُعدا كارثيا آخر للتردّي الذي تعيشه الرياضة نفسها؟!.
كنت حتى موعد قريب أطرد كل فكرة تسير في هذا الاتجاه من عقلي، وأرى – بدلا من ذلك - قدرا من الأمل في الغد الرياضي، فأنا بطبعي متفائل حتى في أشد المشاهد سوادا، ولكن أن تهبط الحال بنا إلى هذا الدرك الذي نجهل فيه حتى هوية البطل الوحيد الذي وضع للعراق اسما ومكانة وشرفا في السجل الأولمبي الطويل، فهذا ما لا يمكن أن يحدث إلا في الزمان الذي نعيشه تحديدا.  
ماذا يمكن أن نتوقع غير أرض مجدبة وذاكرة معطوبة، إذا كان العراق يفتقر إلى شخوصه الكبيرة التي صنعت له المجد في أزمنة مضت وفي ألعاب عدة، يوم لم يكن الإنجاز مقتصرا على كرة القدم.. مرّت في الذاكرة أطياف قيادات مثل مؤيد البدري في كرة القدم، وماجد الكحلة في الكرة الطائرة، وصباح عبدي في رفع الأثقال، وأموري إسماعيل حقي في المصارعة، وفالح أكرم فهمي في ألعاب القوى، ومهدي نجم في كرة السلة، وكمال عارف في كرة اليد، وأسماء أخرى يعجز الحيّز هنا عن استيعابها ..  
يوم كان هؤلاء ومن هم من طرازهم يتصدرون المشهد، كان لدى العراقيين أمل في أن يسعوا نحو منجز عالمي أو أولمبي، ولكن حين نعيش مثل هذه الفوضى العارمة التي اختلط فيها الصالح مع الطالح، فلا بد من أن نطرد – مضطرين – من حساباتنا كل أمل في غد أفضل .. غد ربما سيأتي ولو بعد حين بعيد، لأن (الصالح) الذي اتحدث عنه في انحسار شديد يوما بعد آخر، وقد فـرضت عليه (قيم) و(تقاليد) مُستجدة مصير التكوّر في العزلة! .
أقول دوماً: الرياضة انعكاس حقيقي لأي مستوى من التقدم أو التخلف يعيشه شعب أو بلد أو أمة.. انظروا إلى واجهة الميداليات في دورة طوكيو الأخيرة، لتجدوا مصداقا لا تخطئه العين لهذه الحقيقة.. وبعد كل هذا التردي الذي ذهب ويذهب بقيمنا وإرثنا ومواردنا ومواهبنا وطبيعة العلاقة بيننا كنسيج واحد، وبعد أن أصبح فناننا الكبير حضيري أبو عزيز (لروحه كل التبجيل) صاحب برونزية روما 1960، لا يمكن أن نتوقع خيرا، فمحال أن يأتي الإعجاز بصورة إنجاز يقفز فوق الواقع والوقائع.