سؤال يتجنّبه الجميع

العراق 2022/02/21
...

أحمد عبد الحسين
 
ماذا لو قرأنا هابرماس؟ ماذا لو تصفحّنا نسخة العلمانية التي يقترحها علينا هذا الفيلسوف الألماني ذو الـ"93" عاماً؟ أحسب أن قراءته تشكّل حاجة أساسية لدى نُخب الناشطين المدنيين والشبيبة المحتجين، فهؤلاء بالذات عليهم المعوّل في تحويل أفكارهم إلى مادة حيّة قابلة للتأثير، بعيداً عن مناكفات "المثقفين" التقليدية، وأبعد فأبعد عن المسلّمات الشعبوية التي يضخّها الفيسبوك العراقي عن عركة عشائرية طاحنة تدور رحاها بين العلمانية والدين.
التدافع بين التديّن والعلمانية في الدولة الواحدة أمر حتميّ في نظر هابرماس، يراه أوضح من صراع الشرق ـ الغرب، فالصراعات باتت جزئية وتتعلّق بكيفية معيش الفرد في بلده ومقدار سلطانه على ذاته وشؤونه الخاصة.
في بلدنا، كان الصوت العلمانيّ صوت احتجاج منذ 2011 وصولاً إلى انتفاضة تشرين التي لم تنته ارتداداتها بعدُ. كل تلك الاحتجاجات كشفتْ ضعف متبنياتنا العلمانية والدينية معاً. الزعيق المطالب بالإقصاء من الجانبين يؤدي بحسبه إلى "إكراه وعنف واحتقار للتسامح"، داعياً العلمانيّ إلى أن يكون "متسامحاً أمام حضور الدين في أرضه".
سيقال ـ وهذا حقّ ـ إن قوى لها طابع دينيّ لم تكنْ ذات رأي بل كانت حاملة سلاح، حِجاجها وبراهينها وسجالاتها كانتْ تتراوح بين قمع التظاهرات عضلياً في الساحة واستهداف الناشطين بكواتم خارجها. ولا مساواة بين صوت جريء حتى لو وصل حدود الكفر و آخر يريد فرض "إيمانه" بالقتل أو التحريض عليه.
وكيف يمكن الخروج من دائرة كهذه؟ هذا السؤال يتجنّبه الجميع. كلا الطرفين يهرب منه إلى الحلول الأسهل: شتم الدين والنيل من رموزه عند جمهرة، وتأكيد وضعية المتديّن القويّ المدجج بالسلاح عند آخرين.
ولا أحد سينتصر في معركة كهذه. كلّ هذا العنف الدائر يصفه هابرماس بقوله :"إنه عَرض من أعراض مرض مزمن، وهذا المرض اسمه عدم التواصل وعدم التحاور وعدم فهم الواحد للآخر".
وللحديث بقيّة..