الأمـــــن الــــفــكـــري

العراق 2022/02/22
...

اللـواء الدكـتور 
عـدي سمـير الحسـاني  
 

يُعتبرُ الأمن الركيزة الأساسية لكل مجتمع إذ من خلاله تنطلق عمليات البناء المجتمعي بكافة أنواعه وتفاصيله وتندثر المفاهيم الإجرامية أمام قوة الاستتباب الأمني.
وحيثُ أن الأمن حق من الحقوق التي فرضها الدستور ومسؤولية فرضه تقع على عاتق الدولة، ولأن الأمن بمفهومه العام يُعد من الشمولية لعدة مفاهيم نخص منها هنا الأمن الفكري، هذا المفهوم الهام الذي يحمل من الخصوصية التي جعلته يتصدر مواد الدستور كونه يُشكل الأساس المتين الذي من خلاله تُبنى المفاهيم الفكرية الصائبة الرامية لإنشاء مجتمع قوي مترابط ضد أي أفكار خارجية متطرفة أو منحرفة تحاول تشويه المعتقدات الفكرية الصحيحة وبالتالي التأثير بشكل أو بآخر في الأمن والسلم المجتمعي. أي أن الموضوع لا يقع على عاتق الدولة فحسب بل هي مسؤولية مشتركة تُحتم على جميع الأطراف الوقوف بحزم تجاه أي تيارات فكرية تحمل تصورات خاطئة.
وبنظرة خاطفة وسريعة للواقع الاجتماعي نجد أن هناك العديد من التدخلات التي تزعزع الأمن الفكري وتجعله في دائرة الخطر، ولعل من أهمها مواقع التواصل الاجتماعي التي يصعب السيطرة عليها في عصر العولمة والتي أصبحت تتدخل وبشكل مباشر في بناء شخصية الإنسان وتحول معتقداته بطريقة تدريجية وبطيئة (البناء الفكري الصامت) وتندرج ضمن ذلك البناء شخصيات داخلية متعددة يصعب معها رصد متغيراتها الفكرية كونها داخلية وغير معلنة.
ولعلنا اليوم قد نجزم أن البناء الفردي السري للكيان البشري وما يصاحبه من تحولات سرية متعددة المعتقدات والتي تؤثر بشكل مباشر في الواقع الأمني والاجتماعي والاقتصادي وغير ذلك يحتاج إلى تيار فكري مضاد لمعادلة الكفة ومن ثم إعادة بناء الشخصيات التي تأثرت بالمفاهيم والمعتقدات المنحرفة، والتي تعددت وتنوعت معها الحالات الإجرامية وما صاحبها من تغييب للضمير الإنساني الحي، فتارةً نجد القتل المتعمد لأبسط الخلافات وتارةً تتعدد حالات الزنا بالمحارم والخيانة الزوجية وتارةً أخرى اعتناق الأفكار المتطرفة التكفيرية التي تنافي المبادئ والقيم السماوية السمحاء لينتج عنها انحلال 
في المنظومة الفكرية.
اذاً التصدي لذلك يكون من خلال الدوائر الاجتماعية الضيقة التي تبدأ بالأسرة ومن ثم المدرسة وبعدها الجامعات من خلال إنشاء حصانة فكرية غايتها البناء السليم للفرد الناشئ، بعد أن يتم تحصين رب الأسرة والمعلم والمدرس والاستاذ الجامعي (فكرياً)، من جهة ومن جهة أخرى الدور الإعلامي الهام والمساهم في صد المتحولات الفكرية وذلك من خلال تفعيل جميع الأدوار البناءة لحماية الأمن الفكري وبما يُسهم في بناء مجتمع متعافٍ فكرياً من أي تشوهات تحول 
دون الاستقرار المجتمعي.