دبلوماسية الحياد الإيجابي أم مشروع رؤية عراقية جديدة؟

الثانية والثالثة 2019/04/21
...

ابراهيم العبادي 
 

منذ عام 2003، لم يستطع العراق ان يبلور رؤية واضحة المعالم، وتحظى باجماع وطني، لسياسته الخارجية، كان الارتباك السياسي الداخلي وتنازع مصالح المكونات يلغيان امكانية الاجتماع على سياسة خارجية موحدة، في الخطاب والممارسة والتسويق، وقد دفع العراق فاتورة خسائر كبيرة انعكست على اوضاعه الداخلية، وتحمل من جرائها ثقل خصومات بلدان الاقليم وصراعاتها البينية،  وتحول الى ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات، وبناء  النفوذ، واستتباع قوى وفصائل وزعامات محلية لهذا المحور أو تلك الدولة من دول الجيران، لقد افتقد العراق أو بالاحرى الزعامات العراقية،  قدرة الانصات لخبراء عقلانيين يزنون مصالح العراق الداخلية والخارجية بعقول خالية من تأثيرات الخصومات التاريخية والايديولوجيا  ولغة الغرائز والتدافع اليومي، ونسي قادة العراق الجديد،   استحالة بناء منظومة العلاقات الخارجية دونما تواصل واستماع واغراءات التوافق على المصالح المشتركة مع الجيران ودول الاقليم، رغم كثرة الزيارات واللقاءات والموتمرات التي كان العراق الحاضر الغائب في اروقتها،  كان العراق وما يزال  خائفا من جيرانه، كثير الشكوى من مواقفهم وتدخلاتهم، دونما قدرة على احداث تغيير في تلك المواقف لصالحه الا قليلا بسبب عدم قدرة الفاعل السياسي على ضبط الخطاب والتواصل العقلاني  وبسبب شكوك الاخرين  وهواجسهم ومواقفهم المسبقة المحملة بحمولات  طائفية او قومية، بعد خمسة عشر عاما من التغيير، يكتشف الاخرون ان العراق يعيد ترسيم مواقفه وسياساته وهو اكثر ثقة بنفسه من ذي قبل، وقد برهن عمليا انه تجاوز الكثير من التحديات وعوائق بناء الدولة وصار مسلحا بنصر عسكري وامني كبير على الارهاب،  وان لم يتجاوز صعوبات كثيرة تحول بينه وبين عودته محورا لوحده يستقطب الاخرين ويؤثر في مواقفهم وسياساتهم، لقد احتاجت السياسة العراقية الخارجية لمنطق ترميم الجسور والبناء على المشتركات والتطلع الى المستقبل للتخلص من ارث حاضر قريب مرير،  سمم علاقات العراق وحرمه من فرص كثيرة،   وجعله عاجزا عن قراءة تأثير الاخرين في معادلات استقراره ونمائه، بيد ان مبدأ تصفير المشكلات وتجسير العلاقات سيظل غير كاف لوحده مالم تؤازره رؤية لمشروع امن اقليمي اكثر واقعية واقل ايديولوجية ،في ظل تقاطعات المواقف بين دول الاقليم وخاصة جيران العراق الاكثر تاثيرا في نسيجه الاجتماعي وامنه الوطني، ان الانطلاق من المحلي الى الاقليمي ومن ثم العالمي  لبناء نظام امني  متين  اقليميا، يبدو هدفا مرغوبا بحد ذاته وان كان عسيرا للوهلة الاولى في ظل التنافس الحاد وسرعة دوران المواقف في هذه البيئة القلقة، بامكان العراق ان يحرك رواكد كثيرة اذا  استطاع ان يكون محل ثقة الاخرين ونقطة التقائهم ليتنافسوا  ايجابيا  وليس سلبيا على ارضه  استثمارا  في مشاريع مشتركة تزيد الربط الاقليمي وتقوي اواصر المصالح المتبادلة  الضرورية،  تتطور لاحقا الى مشروع للامن الاقليمي، ان  الجميع يعاني من قلق امني يتزايد وخطر الارهاب وعدم الاستقرار وضعف البناءات الاقتصادية والتزايد السكاني وفشل الكثير من الدول يحتم التعاون وليس العداء، وبدلا من تشكيل ناتو عربي والذهاب الى صفقة للقرن لانهاء الصراع مع اسرائيل والانغماس في محاور اقليمية متصارعة فان الفرص تتزايد لبناء ستراتيجيات سلام وامن داخلي  نابعة من مصالح محلية ورؤى ذاتية غير خاضعة لاملاءات خارجية،   جرب  العراق محنة صراعات النفوذ عليه وفي داخله، فخسر سنوات ثمينة من عمر بناء الدولة، وها هو اليوم يعيد قراءة المشهد بعقلانية  وبات قادرا على اقتناص واستحداث فرص للتسويات وفق منطق الربح الجماعي والعوائد  الايجابية المشتركة، ستكون سياسة الحياد الايجابي مدخلا لبناء الثقة يمكن الانطلاق منها لهندسة نظام اقليمي يحترم حدود الدول ويطمئنها ويهدئ مخاوفها ويعيد ترسيم ستراتيجيتها اعتمادا على مبدأ الابواب المفتوحة والحوارات المكشوفة أو حتى عبر الرسائل المتبادلة والقنوات السرية. هناك فرصة رغم ضخامة الشكوك وخطابات التخويف .