مثقفون يرفضون رقابة الدولة ويتعايشون مع انحدار الذوق العام

ثقافة 2023/06/06
...

 بغداد: نوارة محمد
ظاهرة انحدار الذوق العام التي نشهدها يوميا تبدو كخطر خفي غير محسوب يظهر لنا فجأة بينما نحن نحتسي القهوة في انتشاء وخدر. انحدار الذوق لم يعد مرتبطا بالفن ولا الشعر والمسرح والرواية، أو المحتوى التلفزيوني فحسب، بل يمكن لهذا الانحدار أن يظهر على شكل مقطع «فيسبوكي» أو أغنية أو ربما حين يصر كثيرون على استخدام الالفاظ النابية في المقالب التلفزيونية. أمثلة كثيرة يصعب حصرها، لكن الحقيقة واحدة وهي أننا مُحاطون بكل أشكال القبح وغياب الثقافة. وهنا تخطر الرقابة والحساب في أذهاننا، فهل نحن بحاجة إلى رقابة تفرضها الدولة على الأعمال الفنيّة والأدبيّة للوقوف بوجه التمرّد السائد وانحطاط الذوق العام؟.

يقول الكاتب والناقد جمال العتابي، إنّ «البلاد شهدت بعد الاحتلال الامريكي عام 2003 واقعاً جديداً، رافقه تدمير وخراب وسرقة لتراث العراق الفني والحضاري، وهي أكثر الاساليب الوحشيَّة بمعناها اللانساني واللاحضاري، في ظل الفوضى العارمة التي اجتاحت الوطن»، أقول هذا ليس رثاءً له، بل تأسياً على
أنفسنا.
لقد اصبح تقليداً محترماً أن تحفظ الشعوب تراثها وتحترمه خاصة في مراحل التحول من نظام لآخر، وتحرص على ادامة موروثها الفكري والفني، لأنه الشاهد الذي يبقى معبراً عن تاريخها، والحفاظ على هذا الموروث مهمة تنوء بها الدولة ومؤسساتها الثقافيّة والفنيّة، إلى جانب دور الأفراد والمنظمات المتخصصة، وأن مشاريع من هذا القبيل تبدو في مضمونها مشاريع وطنيَّة كبرى، تتطلب تشريعات قانونيَّة ضامنة لهذا التراث، لكن الواقع للأسف الشديد، يرشح ممارسات واجراءات خارج هذه السياقات، فما جرى من عبث وتشويه في معالم حضارية وفنية يعطي انطباعاً سيئاً في سوء الإدارة، وتخلف الرؤى والنظرة الجمالية، من المؤسف حقاً ان تمتد أيادي التخريب لمعالم تاريخيّة وثقافيّة، بشكل وحشي من دون أن يرفَّ جفن لمسؤول.
ويتابع أن «الامثلة في هذا الباب كثيرة جداً، لكنني سأتحدث عن واحدٍ منها، كمثال لا للحصر: لم يمتلك عبد الكريم قاسم داراً خاصة به، بل كان يأوي إلى بيت اخته في فرع من شارع السعدون، المقابل لفندق ميرديان، لذلك سمي الشارع مجازاً باسم شارع الزعيم، وهو الذي اقترن اسمه بتأسيس نظام جديد بالانقلاب على النظام الملكي، ومن ثم قتل في انقلاب آخر، بمعنى أنه شخصية اقترنت بمرحلة تحولات ومتغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية، بعد تموز 58، هل من المعقول أن اثراً ارتبط باسمه تجتاحه الجرافات؟
لتنسف وجوده وتاريخه؟
هل فكرت الدولة أن تضع اليد على هكذا أماكن لتصبح مزاراً للناس ومورداً اقتصادياً مهماً؟
 أما موضوع النصب والتماثيل، فذاك موضوع شائك وطويل، بحسب العتابي، كذلك مقتنيات الأدباء والمفكرين ومكتباتهم الثرية بالكنوز، ينبغي على الدولة أن ترعاها وتستقبلها كتراث مهم، وتحفظها خشية الضياع وعبث الورثة من الابناء والاحفاد، هي دعوة مخلصة لها، كي تلتفت للمثل الجميل في حياتنا الثقافيّة والمعرفيّة.
ومن جهته يرى الناطق الرسمي باسم وزارة الثقافة والسياحة والاثار الدكتور أحمد العلياوي أنَّ العراق اليوم جزءٌ من منظومة دوليَّة يتاح فيها الفضاء الذي قد يكون ملائما أو غير ملائم في زمن سيطرت عليه منصات التواصل الاجتماعي التي تعد ساحة عرض سهلة ومجانية بات من الصعب فرض رقابة على الأعمال الفنيّة المنتجة التي لن تقف عند محطة تلفزيونية، كما يقول: وليس من السهل وضع شروط أو قيود على الأعمال التي تنتج خارج العراق.
في قطاع الثقافة والفنون ودوائرها الرسميَّة هناك مراقبة شديدة ومساعٍ جدّية لإدامة الانتاج الفني الملتزم الذي يلائم الذوق العام ويعنى بتوفير المساحة للإبداع بما يخدم القضايا الانسانيّة والوطنيّة والفنيّة.
ويضيف: ربما على الجهات المعنية كافة، أن تمارس دورها ورقابتها وسلطتها لا سيما الجهات التي تتمتع بهذه المساحة مثل هيئة الإعلام والاتصالات التي يمكن لها أن تمنع أي عرض غير مقبول وهي قادرة على محاسبة رواد مواقع التواصل الاجتماعي ممن
يثيرون قضايا تُسيء للذوق العام.
وتعد نقابة الفنانين جزءاً من المشهد وهي تحاول بجهودها أن تقف ظاهرة غياب الذوق العام الذي يجتاح العراق في سنواته الأخيرة.
في هذا السياق يبين نقيب الفنانين جبار جودي، أن “هناك خللاً في البنية المجتمعيّة نتيجة تسلّط جهات سياسيَّة على المجتمع فغيّرت بنيته السيسيو أيديولوجية” وتابع: وهناك أيضا انحدار واسفاف مجتمعي، لكن الاجراءات رادعة ومنها لجنة متابعة المحتوى الهابط التي قمعت أغلب التافهين ممن يسمون أنفسهم إعلاميين أو فنانين، وهم عيالٌ على ذلك وتعمل نقابة الفنانين بجديّة على متابعة النماذج الفنيّة والأدبيّة ووسائل إعلام تلفزيونية لتقف على الأقل بوجه الخلل الفني والانحدار البنيوي الذي تواجهه البلاد.
 لكن الكاتب والقاص حسب الله يحيى يرى أن الرقابة تعني حجب الافواه وهي لا تقف عند مرحلة معينة، إنه ممن يؤمنون بالحرية الخلّاقة، الحرية سلاح ذو حدّين مخلّفاتها كثيرة.
ويضيف أنَّ “الرقابة تعني الحجب وكتم اصوات من نختلف معهم.
والتردي يتطلب خبرة موضوعية عقلانية من يؤمن بحرية الكاتب من دون أن ترضى بالابتذال، والعابر خبير مؤتمن على حرية الكاتب وحماية المواطن من التسطيح والمجانية.. احترام المتلقي لا يقل أهمية عن احترام المبدع الحقيقي”.