جون زنغ وعلم السرد الصيني

ثقافة 2023/06/06
...

د. نادية هناوي 



الناقد الصيني جون زنغ Jun Zeng متخصص في الأدب والنقد والنظرية الثقافية، وله مؤلفات منها “قضايا في تفسير التجربة الصينية في النظرية الأدبية الغربية “(2016) و”في طرق البحث.. الحوار في النظريات الأدبية الصينية والغربية” 2017 و”طريقة تفكير دريدا في الكتابة الصينية” 2018 .
وفي دراسته المعنونة (العوامل الصينية في موسوعة روتلدج السردية)، المنشورة باللغة الإنجليزية في مجلة الدراسات السيميائية الصينية العدد 18، المجلد 3، أشاد زنغ بموسوعة روتلدج، وما يمكن تمييزه فيها أنها تتبع تأسيس علم السرد بدءا من ستينيات القرن الماضي حين ظهر في فرنسا إلى أن أصبح تخصصا عالميا. وإمكانية الإفادة من هذا العلم في التركيز على تقاليد سردية قديمة غير غربية كالصينية والأفريقية والأسترالية الأصلية واليابانية والأمريكية الأصلية. ومن خلالها يمكن أقلمة نظريات سردية متعددة يحويها جميعها علم واحد هو ( علم السرد ما بعد الكلاسيكي).

وتحدث زنغ عن أهمية الممارسة والنظرية في هذا العلم بقصد تحديد خصائص نظرية السرد، وعن ذلك قال: ( هذه الموسوعة ليست أكاديمية نموذجية لكنها إحصائية اشتغل عليها هيرمان عام 2005 وهي تصف تطور علم السرد على مدى نصف قرن عبر مراجعة التقاليد السردية التي تم تناقلها منذ بداية الحضارة الإنسانية بما فيها النص والفلم والتلفزيون والأوبرا والبيئة والقصص المصورة والبيئات الرقمية. وتقع هذه الموسوعة في مجلدات توثق لمعرفية نظرية السرد وتعطي صورة شاملة لأحدث التطورات في مجال البحث السردي وتقدم خريطة لنظام المعرفة لنظرية السرد).

وعرض زنغ خلال دراسته لموسوعة روتلدج وجهات نظر ساهمت في دراسة السرد الصيني من ناحية عقد الصلات بين قضايا سردية صينية قديمة وقضايا السرد الغربي المعاصرة، والبحث فيها على وفق مواضعات علم السرد ما بعد الكلاسيكي. 

واهتم زنغ بمقولة بارت ( السرد موجود في كل مكان وهو متعدد وطموح) التي عمل علم السرد على تأكيدها عبر توسيع نطاق نظرياته. وما كان لهذا العلم أن يكون عالميا إلا ببناء نظرية عالمية وفعالة تتعدد فضاءاتها وتتنوع أطرها المعرفية غربية وغير غربية. وبهذا يستدرك علم السرد ما بعد الكلاسيكي على علم السرد البنيوي ــ بسبب محدودية تخصص الأخير في تحليل النص ـــ كما سيتجاوز منطقة الثقافة الغربية في القرن العشرين، ناظرا إلى السرد على أنه كتلة متراصة داخل أوربا وأمريكا الشمالية وخارجهما وفي نطاق البلدان الرأسمالية وبلدان العالم الثالث والفقير أيضا.

ورأى زنغ أن البحث في موضوعة الممارسات هو الذي يغير هرمية الفكرة في أن الرواية جنس أدبي غربي من دون أي قرب بدراسة السرد الأفريقي والسرد الهندي والسرد الأسترالي، وأن شفوية القص من جهة وتعدد التخصصات من جهة أخرى هو ما يجعل دراسة السرد دالة من دلائل الهويات الأصلية فتتجرد الفكرة الاستعمارية من تعاليها وهيمنتها. 

وأكد زنغ أن نقطة البداية في وضع نظرية في السرد الصيني هي في تقليد wen وهو مفهوم عام في الأدب والفن الصينيين ويعني الحكايات والقصص، ويسمى بسرد هانيو تماما كتسمية السرد الهندي بالسنسكريتي. 

وأخذ زنغ على منظري السرد السابقين أنهم لا يطيقون التعامل مع نظرية سردية غير غربية، بل هم يسعون إلى نظريات سردية معاصرة من دون السعي إلى ابتكار نظرية في السرد القديم لاسيما السرد الصيني الذي فيه محطات كبيرة ومهمة في التخييل بدءا من الطور الشفاهي الذي فيه كانت للصين حضارة قديمة ومرورا بمراحل التحول نحو الطور الكتابي الذي فيه أيضا شهد السرد الصيني حركة وتطورا كبيرين.

واليوم تكشف نظرية السرد غير الأدبي عن خصائص في السرد الصيني لم تكن معروفة في نظريات السرد الغربية المعاصرة. وأشاد زنغ بمواطنته المنظرة دان شين التي ساهمت في دراسة تلك الخصائص من خلال اشتراكها في تحرير موسوعة روتلدج، واعتمدت نمطا معرفيا إقليميا في دراسة علم السرد يتمثل في التركيز على تقاليد السرد الصيني القديم برؤية معرفية غير غربية وما بعد كولونيالية، حظيت باهتمام كثير من الباحثين الغربيين في علم السرد ما بعد الكلاسيكي لاسيما ديفيد هيرمان مؤسس هذا العلم بكتبه المهمة مثل (منطق القصة) 2004 و(نظرية السرد والعلوم المعرفية) 2003 وغيرها من الكتب التي منها تفرعت علوم جديدة كعلم السرد غير الطبيعي وعلم السرد المعرفي الذي يبحث في العلاقات بين الإدراك والمعرفة والذاكرة والعالم وعلم النفس وتكنولوجيا وسائل الإعلام والأخلاق وتأثيرات القراءة..إلخ. 

وسلط زنغ الضوء على مساهمات صينية أخرى في مجال (علم السرد) تسعى إلى بناء نظام معرفي لنظرية السرد. وحدد ثلاثة مسارات في دراسات الأكاديميين الصينيين لعلم السرد هي:

1ـ مسار الدراسة المقارنة للتقاليد السردية الصينية والغربية مع التركيز على العوامل المشتركة مثل كتاب ( السردية في الصين والغرب) لدان شين. 

2 ـ مسار دراسة علاقات التأثر والتأثير كاتجاه دراسي جديد كما في كتاب ( دراسات المنظرين الغربيين للسرد الصيني)

3ـ مسار استكشاف كيفية تعامل المنظرين الغربيين مع التقاليد السردية غير الغربية وأنظمة المعرفة في علم السرد.