{قيد مجهول}.. علامة فارقة

ثقافة 2023/06/06
...

عفاف مطر



رغم أنه من انتاج سنة 2021 إلا أنه مازال حاضراً في الذاكرة ويُطرح للنقاش بين الحين والآخر كعمل مميز. المسلسل سوري من ثماني حلقات أخرجه السدير مسعود وبطولة النجم الكبير عبد المنعم عمايري وباسل خياط، صرح عمايري في إحدى مقابلاته أنه لجأ إلى طبيب نفسي بعد الانتهاء من تصويره لصعوبة الشخصية التي قام بأدائها. المسلسل ينتمي إلى قالب الجريمة والغموض ويبدأ بجريمة قتل مثنى تاجر الخمور والمخدرات والأسلحة وبحث الشرطة عن القاتل، ثم نرى بطل العمل سمير العامل البسيط في مشغل خياطة ودخله الذي لا يكاد يكفي الطعام البسيط ويجسد هذا الدور النجم عبد المنعم عمايري. ثم نرى يزن صديق سمير والذي يجسد دوره باسل خياط، يزن يعيش حياة مختلفة تماماً عن سمير، بل أن شخصية يزن هي الاكستريم المعاكس لشخصية سمير، إذ نرى يزن قوي الشخصية جريء وواثق من نفسه حد الغرور ولا يخشى القانون، وقد كان أداء كلٍ من عمايري وخياط أداء عبقرياً عالمياً استحوذ على إعجاب النقاد والجمهور. أهم ما في المسلسل هي شخصية سمير ومعاناته التي لم يكن يعلم بها إذ كان مصاباً بمرض اضطراب الهوية التفارقي وهو ما كان يسمى سابقاً باضطراب تعدد الهويات وهو ما يشرحه الطبيب النفسي في نهاية المسلسل لنكتشف أن يزن شخصية خيالية ابتكرها عقل سمير اللاواعي وهي على العكس منه تماماً فهو – أي سمير – شخصية ضعيفة اتكالية بينما يزن شخصية نشطة وقوية لهذا يمثل يزن الجانب الشرير والإجرامي لسمير  ورغباته المكبوتة، ولا يظهر يزن إلا في حالات ضعف سمير واللحظات الحرجة حينما يتعرض للضرب أو الإهانة والانهيار من شدة الظلم والقهر، لهذا ظهرت شخصية يزن لسمير كصديق طفولة قديم بعد أن تعرض للإهانة على يد مثنى فقتله يزن أي سمير. أجمل مشاهد سمير نراها في نهاية المسلسل وأبدع عمايري في أدائها، ونفهم من الطبيب النفسي أن شخصية يزن كانت موجودة منذ الطفولة ويرجح أن سمير تعرض للاعتداء الجنسي وهي اللحظة التي أطلق فيها عقله اللاواعي شخصية يزن ليحمي سمير. المسلسل تطرق إضافة إلى قصة الجريمة وماضي رجل الأعمال مثنى، إلى جوانب سياسية وسطوة رجال الأعمال والفساد في الحكومة كما تطرق إلى موضوع التعذيب الرهيب في السجون والحالة الاقتصادية الهزيلة لدى الطبقة الفقيرة. كما تميز العمل إضافة إلى إبداع المخرج ومدير التصوير بالموسيقى التصويرية المناسبة والتي لعبت دوراً مهماً في بعض المشاهد. لم تكن جريمة قتل مثنى هي الوحيدة في العمل بل هناك جريمة قتل أخرى كانت ضحيتها الفنانة رند، وهنا يطرح العمل موضوع ارتباط رجال الأعمال بالفنانات، فمنذ التسعينات ونحن نسمع عن جرائم قتل الفنانات المرتبطات برجال الأعمال على سبيل المثال وأشهرها مقتل الفنانة ذكرى على يد زوجها رجل الأعمال المصري. باسل خياط ممثل قوي وله حضور خاص جداً لكني لم أرَ أنه قدم شخصية أو أداءً يختلف عما قدمه قبل هذا المسلسل ولا حتى بعده، لكن العلامة الفارقة كانت في أداء عبد المنعم عمايري، والحقيقة أن عمايري تقريباً في كل عمل يقدمه يترك بصمة مختلفة ومميزة. المسلسل بالطبع لم يكن الأول في طرحه وعرضه لمرض اضطراب تعدد الهوية التفارقي فقد رأيناه في هوليوود كثيراً لكن أداء الممثلين من دون استثناء وإخراج السدير مسعود جعله محطة فنية مهمة تستحق التوقف عندها على مستوى الدراما السورية والعربية وأداء الممثلين حقيقة يجب أن يُدرس.