قصص قصيرة

ثقافة 2023/06/10
...

  عماد أبو زيد*

بيتزا ميلانو
يعلم الحاج "رفعت" جيدًا أن مُستأجري المحال لا يستمرون طويلًا في مزاولة أنشطتهم، فالإيجار مرتفع، فضلًا عن فواتير الكهرباء، والمياه، والنظافة، والغاز، والضرائب العامة، والعَقَارِيَّة، والتأمينات، وأجرة العِمَالة.
يتفهم "محمد التونسي" أن "رفعت" يأمُلُ للمستأجر الجديد لمحله أن ينجح في بيع البيتزا، ومع ذلك طمأنه؛ إذ يعيش "رفعت" الآن على إيجار المحل إلى جانب معاشه الشهري الهزيل.
شهد المحل تجارة أجهزة الموبايل،
وملابس الأطفال، والبيتزا، والأحذية، والسَجَّاد.
مات الحاج رفعت قبل أن يغادر المحل بائع البيتزا.

أنيس ورشدي
كان الأسطى "فتحي" يتحدث إلى سائق السيارة النقل، مُتفاهمًا معه على أجر نقل بضاعة إلى "رشدي"، ومع توقع "رشدي" استدار السائق الثلاثيني قائلًا له:
-  طبعًا مانتش عارفني.
ابتسم "رشدي" في حرج؛ فتَطوَّع "فتحي" بالحديث كما تَطوَّع من قَبْلُ في إعلام السائق بشخص "رشدي":
- أنيس ابن خالتك زينب.
لم يرَ "رشدي" "زينب" منذ أن كان صبيًا في الإعدادي، كانت فلَّاحةً فتية، جسدها منحوت، لا هو نحيل، ولا هو سمين، على حد قول "سامية": "مدملجة".
يذكر إيشاربها الأحمر على جلبابها البلدي الأسود تحت "الطرحة" السوداء، وخصلة شعرها الأسود تتعمد سحبها من تحت الإيشارب على جبينها، وعيناها السوداوان اللتان تحوطهما بالكحل، و"شامة" صغيرة تقترب من شفتيها. في ذلك الوقت كانت على خلافٍ مع زوجها الذي لم تنجبْ منه، وكلَّما مرت على محاميها أو المحكمة، أتت إلى ابنة عمها. كانت أم رشدي تغار على زوجها من "زينب"، وهو لم يكن "يفوت" جلسة واحدة دون مشاركتهما فيها.
عنب ناضج
البائعة امرأةٌ يافعة، لا تبدو للوهلةِ الأولى جميلةً، لكنَّها كانت تتمتع بجاذبية شديدة. كانت تضع العنب في صينية ألومنيوم كبيرة فوق كرسيِّ خشبٍ ذي سطح دائري. أشار "هاني" إلى بعض العناقيد؛ لتضعها في الكيس، دارت حول الصينية، ثم وقفت قبالته مباشرة، ومالت نحو الصينية، بدت كأنها تعطيه مؤخرتها. تراجع للخلف؛ إذ كاد جسداهما يشكلان كتلة واحدة. كان على يقين من أنَّها ستضع له في الكيس عنبًا غير ناضج.

غزال الميدان
يقف بِبِزَّتِهِ منتصبَ القامة، شامخًا، كالأسد الجسور، وإلى جانبه الرمز الانتخابي الغزال في "بانر" كبير على واجهة بناية بالميدان. صلعة رأسه تضفي على وجهه كثيرًا من المهابة والوقار.
صباح يوم الأحد كانت "ميادة" تعبر الميدان، في طريقها إلى السوق. لمحته، وقفت، لم تنطلِ عليها صورته. تَجَسَّدَ أمامَها يخلعُ "الفانلة"، يقترب منها، يتمايل بكرشه، باسطًا ذراعيه، يقول لها:
- تعالي في حضني يا ميادتي.
لم تتمالك نفسها من الضحك.

ألوان الثياب
ذكرته بنفسها، وقالت له إنَّها أُعجبت به منذ صغرها، وأنه الآن كما شاهدته أول مرة.
- لك عينانِ جميلتانِ.
كما قالت له:
- لم أرك منذ ما يربو على العشرين عاماً، كنت أراك دومًا مختلفًا عن أقرانك، كان لديَّ إحساسٌ أنَّك وحيد.
كيف قرأت وجهه، وهي كانت لا تزال طفلة؟، وكيف احتفظت بملامحه في مُخَيِّلَتِها دون أن تفقدها؟
مالم تعرفه أمل أنه يتشكك في صحة كلامها؛ إذ هي تذكر له أسماء الشوارع التي يمشي فيها، المحال التي يقصدها، المقاهي التي يجلس بها، الأصدقاء الذين يرافقونه، الأشياء التي يحبها، عطوره المفضلة، وألوان ثيابه.
 *كاتب مصري