حقيقة العصابات العربية في ألمانيا وأوروبا !

آراء 2019/04/26
...

محمد محبوب
هناك جدار عال وسميك من الصمت في أوروبا وفي ألمانيا بوجه خاص لاتخرقه سوى أخبار عمليات دهم الشرطة لأوكار العصابات بين الحين والآخر أو أخبار الجرائم المدوية التي تقوم بها، وكان المواطن الأوربي لاسيما الألماني لايكاد يسمع عن نشاط هذه العصابات.
 
وللعرب حصتهم أيضاً على خارطة العصابات الأجرامية الدولية في أوروبا، وإن جاؤوا في المرتبة التاسعة حسب المكتب الاتحادي الألماني لمكافحة الجريمة بعد العصابات الأيطالية والروسية والتركية والبولندية والصربية والألبانية، وبدأت العصابات العربية بمزاولة نشاطها متأخرة عن غيرها منذ مطلع ثمانييات القرن الماضي بعد الحرب الأهلية اللبنانية وتدفق آلاف اللاجئيين من لبنان الى المانيا ودول اوروبية أخرى، لكن لا احد في المانيا وفي اوروبا يرغب بالحديث عن هذه العصابات كما هو الحال في الولايات المتحدة، إذ ظهرت العديد من الأفلام الأميركية التي تحدثت عن العصابات الأجرامية المنظمة، كان أكثرها شهرة ونجاحاً فيلم (العراب) للمخرج فرنسيس فورد كوبولا بإجزائه الثلاثة.
 
الأعلام الألماني خرج عن دائرة الصمت وصار يتحدث بتحفظ عن خطر العصابات العربية أو العشائر العربية التي تسيطرعلى العالم السفلي لمدن المانية عديدة اهمها (برلين وبريمن وإسن وفرانكفورت) وكيف تدير هذه العشائر او العوائل الكبيرة اعمال القتل والسرقة والدعارة والإبتزاز والأتاوات والمخدرات وغسيل الأموال، وقد بلغت هذه العشائر من القوة التي تمكنها مهاجمة سلطة الدولة الألمانية، والتغلغل داخل اجهزة الشرطة والقضاء وتحويل بعض الأحياء السكنية الى مجتمعات موازية او امارات مغلقة وشبه منفصلة عن سلطة الدولة الألمانية.
 
ولعل الجريمة الأكثر دوياً في الأعلام الألماني هي سرقة عصابة عربية لعملة معدنية ثقيلة وكبيرة في حجم إطار سيارة عام 2017 من جزيرة المتاحف في العاصمة الألمانية برلين قبالة مسكن المستشارة أنغيلا ميركل، وتقدر قيمة العملة الذهبية الكندية بـ 3.8 ملايين يورو وتزن مئة كيلوغرام وطول قطرها 53 سنتيمترا وسمكها 3 سنتيمترات، وتحمل صورة الملكة إليزابيث الثانية، ومنذ ذلك الحين تشن الشرطة الألمانية عمليات دهم كثيرة على اوكار هذه العصابات، وصادرت السلطات 77 عقاراً تصل اقيامها الى 10 ملايين يورو لأشخاص ينتمون الى هذه العصابات العربية، وانه حسب الإدعاء العام الألماني تم شراء هذه العقارات باموال من اعمال غير مشروعة.
 
وعلى خلاف العصابات الأيطالية التي تتمتع بالخبرة الطويلة والذكاء الاحترافي والقدرة على التفاهم مع السياسيين، فإن العصابات العربية غالباً ما تتورط في جرائم قتل وعنف وتفجير أماكن وسيارات، وأحياناً اعمال شغب تافهة كما حدث في مشاجرة بين طفلين عربيين في برلين والتي تحولت إلى جدال ساخن بين عائلتين ثم معركة دموية بين عشيرتين شارك فيها اكثر ٧٠ شخصاً، وتطلب ضبط الوضع وفض هذا العراك حضور ٩٠ شرطياً، ورغم الاعتقالات التي تتم بين حين وآخر والتي بطبيعة الحال لا تتناسب مع الحجم الواسع للنشاط الإجرامي، فإن الشرطة تحاول قدر الإمكان تفادي الإصدام بهم.
وفق المكتب الاتحادي لمكافحة الجريمة فإنه يصعب التحقيق في جرائم العصابات العربية، بسبب التماسك والولاء العشائري، ولا تملك الأجهزة الأمنية القدرة على اختراقهم من خلال مخبرين سريين كما أنهم يمارسون ضغوطات كبيرة على الشهود، وان تطلب الأمر لن يترددوا في قتل الشاهد او احد افراد عائلته او العائلة بكاملها في بعض الأحيان، ولديهم قدرة هائلة على التحشيد لأتفه الأمور مثل قيام شرطي بتحرير مخالفة مرورية وهو ما ادى بالفعل الى مواجهة مع الشرطة، او قيام شرطي بإلقاء القبض على شخص يمارس الاحتيال، الأمر الذي ادى الى تحشيد اكثر من 50 شخصاً في الشارع واندلاع اعمال شغب لم تتوقف الا بعد استدعاء المزيد من عناصر الأمن.
 
كما تحدث غالباً صراعات داخل العشيرة العربية الواحدة فضلاً عن نزاعات مع عشائر اخرى فالتنافس دائم على مصادر الربح وهي تتركز حول المخدرات او خلافات على تقاسم واردات الأعمال الأجرامية، وعادةً ماتعثر الشرطة الألمانية على جثث مرمية من افراد هذه العصابات العربية لكنها تُسجل في الغالب ضد مجهول لعدم توفر معلومات عن الجريمة والجناة.
 
ويقدر عدد الأعضاء الفاعلين الذين ينتمون إلى هذه العائلات بأكثر من 4 آلاف شخص في مدينة برلين، وأكثر من 6 آلاف شخص في مدينة إسن، وفي بريمن يوجد 2500 شخص على الأقل، وإن أكثر تلك العائلات نفوذاً في منطقة الرور الواقعة غربي المانيا، وهي عائلات أبو شاكر والزين وعميرات، وإن عائلة أبو شاكر تعود لأصول فلسطينية إلا أنها هاجرت إلى لبنان ومنها إلى ألمانيا، ولكن المجموعة الأكبر التي يرتبط اسمها بالنشاطات الإجرامية، هي عشيرة “المحلمية” التي تنحدر من منطقة جنوب تركيا وشمال سوريا، وإن هذه المجموعة العرقية تعاني من أزمة هوية عميقة، فهم تارة ما يوصفون بالعرب أو اللبنانيين، وتارة أخرى بالأتراك، وهم لايحملون جنسية لبنانية او تركية، كما انهم لم يحصلوا على الجنسية الألمانية، رغم أقامتهم منذ 40 عاماً، وأن الأجيال الجديدة ولدوا وترعرعوا في ألمانيا وهم متعلقون جداً بألمانيا، والدليل على ذلك هم من أكبر مشجعي الفريق الألماني لكرة القدم وأيضا للفرق المحلية للمدن التي يقطنون بها، ويُذكر ان هذه العوائل بدأت الوصول إلى ألمانيا في بداية السبعينيات، ولكن أعدادهم تزايدت وبكثرة خلال الحرب الأهلية اللبنانية، ثم مع سقوط جدار برلين استفادوا من الفوضى ليتحولوا إلى قوة عشائرية كبيرة في المجتمع الألماني.
 
وهناك تقارير مقلقة صدرت عن الشرطة الألمانية مؤخراً تكشف عن قيام تلك العصابات بتجنيد اللاجئين الجدد، لاسيما الشباب الذين لا يرون أي فرصة سانحة لهم للاستقرار أو جني المال، للقيام بمهام قذرة لتلك العصابات، كبيع المخدرات أو القيام باعتداءات جسدية، وإن العصابات تستغل بحث هؤلاء اللاجئين عن الأمان ومستقبل أفضل في ألمانيا، وتغريهم بوعود بحياة أفضل وفرص أكبر من خلال الانضمام إلى تلك الشبكات الإجرامية.