صفقة القرن .. كيف نقاومها؟

آراء 2019/04/27
...


حازم مبيضين
 
وحدة الموقف الأردني، ملكاً وحكومة وشعباً، خلف لاءات الملك الثلاثة، هي الشرط الضروري لإسقاط ما يحاك لفلسطين والأردن على حد سواء من مؤامرات، فلا يكفي أن يكون الشعب ملتفاً سياسياً وعاطفياً حول القيادة، بل يجب تحويل هذا الالتفاف إلى قوة ملموسة، والعمل على تحويل العاطفة إلى روافع لعمل وطني جبّار، فمشاعر الإحباط واليأس وانعدام اليقين، تكاد تختطف غالبية الأردنيين وتهيمن عليهم، فيما التجربة الديمقراطية التي أثخنت بجراحات قانون الصوت الواحد، تواجه تحديات جسيمة، وفجوة الثقة بين المواطنين أنفسهم، وبينهم وبين مؤسسات الدولة والمجتمع من حكومات وأحزاب وبرلمانات تزداد اتساعاً.
 

وأن يخرج المواطنون عفوياً، في مسيرات للدعم والتأييد، غير كافٍ، فالمطلوب بعث رسائل قوية للخارج، تبدأ بتأطير هذه الجموع وتلك المبادرات ومأسستها، وضمان استدامها حتى لا تصبح مجرد فزعة من فزعاتنا، وذلك بتحقيق الاختراق المطلوب في مسار الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي، فإشهار اللاءات الملكية في وجه مؤامرة ابتلاع القدس وتهويدها وأسرلتها، وذوداً عن أمن الأردن واستقراره وهويته الوطنية، يعني شيئاً واحداً فقط، أن هذه الأهداف السامية تتعرض للتهديد اليوم، كما لم يحدث من قبل، وأن التهديد بات على مرمى حجر منا، فإسرائيل ليست وحدها من تغير خلال الربع قرن الأخير، فالولايات المتحدة تغيرت كذلك، فالتهديد جدي، لكن الذعر محظور، فنحن لسنا مجردين من الأوراق، والإرادة السياسية كفيلة بأن تفعل فعلها، وتوحد الشعب والقيادة كفيل بتحقيق المعجزات، وتحكيم العقل والتنظيم وحشد الموارد، يتقدم على أشكال التعبير العاطفية والعفوية الأخرى.
الغموض الذي احاطت به إدارة ترامب مبادرتها، صورت صفقة القرن كما لو أنها نيزك قادم من السماء، ليضرب منطقتنا تحديداً، ويعيد تشكيل جغرافيتها من جديد، بمعنى أن الإدارة الأميركية لن تفرض مبادرتها، ولن تفاوض على مقترحاتها، لكنها ستترك الأطراف المعنية للتفاوض، وإذا ما تم رفض المقترحات بعد ذلك، فالمسؤولية تقع على عاتق الطرفين، والمرجح في هذه الحالة أن تسحب واشنطن يدها من العملية برمتها. إسرائيل لن تخسر شيئا في حال فشلت صفقة القرن، لأن مشروعها الاستيطاني، وخطواتها لفرض الأمر الواقع في فلسطين، تمضي إلى الأمام في كل الأحوال. وإن أي خطة ملزمة للتسوية في الشرق الأوسط، تتطلب إجماعاً دولياً في مجلس الأمن، ودعماً كاملاً من القوى الكبرى في العالم. وعلى مدار عقود من الصراع، كان مطلب العرب الدائم هو ممارسة هذه القوى لدورها ونفوذها، لتطبيق قرارات الشرعية الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية. مثل هذا الإجماع مفقود تماماً في حالة صفقة القرن، ولن تجد واشنطن دولة واحدة تساندها في جهودها، لفرض حل غير مقبول عند العرب والفلسطينيين، ولهذا فإن مصير الصفقة الأميركية الفشل في نهاية المطاف، وربما قبل أن تولد.
اللافت أن المسؤولين الأمريكيين، يتعمدون نفي صحة بعض التقارير الإعلامية، التي تتحدث عن بنود صفقة القرن، ويتجاهلون الرد على بعضها الآخر، وهذا بحد ذاته لا يعني صحة النفي، ولا صدقية المسكوت عنه، فالمسألة برمتها لاتزال تخضع الستراتيجية دعائية وتسويقية، والواضح الآن أن تخلي إسرائيل عن الأرض العربية، بعيد تماماً عن أفكار القائمين على تلك الصفقة، والحقيقة أن المقدمات تؤدي إلى النتائج، ومجمل المقدمات التي تصدر عن الإدارة الأمريكية الحالية، تشير إلى انحياز تام وكلي للجانب الإسرائيلي، فالقضية الفلسطينية معقدة لدرجة لا يمكن معها القول بأن الحلول يمكن أن تغيب عنها العدالة، ومراعاة مجمل عناصر الصراع. صحيح ان هناك حاجة لحلول وبدائل مبتكرة ولكن ليس على حساب الحقوق المشروعة والثوابت، التي تضمن دعم كل الأطراف المعنية للتسوية السياسية إن كانت شاملة وعادلة.
وبعد، فإن محاولات البعض تنفيذ هجوم إعلامي منسق وخبيث، لبث نوع من الضعف في الأردن، يؤكد تاريخياً أن لا حل بدون الاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية، مهما بلغ حشد الغربان والأموال المسمومة، فالصفقة المشؤومة سيكون مصيرها كما سابقاتها، فالسلام له مسارته، ولامجال للقفز عليها، والسنوات المقبلة ستثبت لكل من تراخى أو تآمر، أن الشعوب الحية لاتقهر، وإذا لها قيادات واعية مخلصة فالنصر سيكون حليفها.